عشيّة كلّ سنة تضع وسائل الإعلام في لبنان، كل ثقلها للتسويق للدَجل التافه الذي يُطلقه بعض مَدّعي رؤية الغيب، ليس إقتناعًا بما يَزعم به هؤلاء من قُدرات خارقة، بل على أمل رفع نسبة المُشاهدة، وبالتالي الحُصول على بعض الإعلانات في ظلّ حال العجز الذي تُعاني منه. والمُشكلة أنّ الرأي العام غير المُثقّف يتأثّر بعمليّات "المونتاج" المُحترف الذي تقوم به وسائل الإعلام، ويُصدّق ما يتمّ ترويجه من "رؤى"، علمًا أنّ كل ما يتمّ ذكره هو عبارة عن تحليلات وتوقّعات سياسيّة يكتبها الصحافيّون بشكل دائم، والمئات منها يتحقّق تارة ولا يتحقّق تارة أخرى. وفي هذا المقال، سنُورد جزءًا صغيرًا من مئات "التوقّعات" التي لم تتحقّق.
بالنسبة إلى السيّد ميشال حايك، فهو قال في حديثه ليلة رأس سنة من عام 2019، العشرات من التوقّعات التي لم تتحقّق، وهذه عيّنة منها. على الصعيد اللبناني: "إصابة عمود فقري من أعمدة "8 آذار" (لم يُصب لا عمود فقري ولا أي عمود ثانوي)، "البطريرك غدًا لن يكون بطريرك أمس وإطمئنان واسع إلى صحّته" (الحمد الله البطريرك بأفضل أحواله، وهو تنقّل من بلد إلى آخر هذا العام)، "إستراتيجيّة ذات طابع أجنبي تعيد الكهرباء 24 ساعة وصفر نفايات" (لا تعليق!)، "الباسيليّة إلى توسّع بعد وقبل جبران باسيل" (ما حصل هو العكس تمامًا)، "دمعة في عين التينة" (رئيس مجلس النواب يقول في سرّه ربّما: خمسة بعيون الحاسدين!)، "الليرة اللبنانيّة تتنفّس رغم مُحاولة خنقها" (فعلاً!) و"موجة مُضادة في وجه موجة الإفلاس" (آلاف المؤسّسات والشركات والمحال أقفلت أبوابها كليًا أم جزئيًا، وهي إمّا أفلست أو على طريق الإفلاس!)، "عمليّة تهدف للنيل من إحدى بنات الرئيس عون" (الحمدلله لا شيء من هذا القبيل)، "حركة عمرانيّة تكسر جُمود البلد" (ما شاء الله)، "اليونيفيل في ورطة ولن تكون على الحياد" (لم يحصل شيء من هذا القبيل)، "شخصيّة تحضر من وراء البحار لإنقاذ لبنان" (يا ليت تتحقّق هذه الرؤية!)، "موجة من التعرّي في بعض شوارع لبنان" (ويا ليت تتحقّق هذه الرؤية أيضًا!).
إشارة إلى أنّ الأسلوب الجديد الذي بات مُتبعًا من قبل مُدّعي كشف الغيب يتمثّل برمي مئات التوقّعات دفعة واحدة، وكذلك توقّع الشيء ونقيضه، بحيث أنّ نسبة إصابة الهدف في بعض الحالات تُصبح حتميّة، خاصة وأنّ كل هذه التوقعات مَبنيّة على معلومات صحافيّة وتحليليّة يعتمدها أهل الصحافة والإعلام. فتخيّلوا ما أعمق توقع "مُغادرة النازحين السُوريّين بالآلاف"، علمًا أنّ جهود العديد من المسؤولين اللبنانيّين منصبّة للعمل على عودة السوريين إلى أرضهم! وما أعمق رؤية "إنتبهوا من غضب وخطر الطبيعة في لبنان وإحتاطوا"، وفي كل سنة تحدث كوارث طبيعيّة في لبنان والعالم. كما أنّ أسلوب التضليل يعتمد-كما دائمًا، على إطلاق عبارات مُبهمة تصلح لمئات الوقائع المُختلفة، على غرار: "صدمة موجعة في المتن" (تنطبق على أي حدث عسكري أو أمني أو سياسي أو حالة وفاة، إلخ)، و"فوج الفُهود إلى الضوء" (تنطبق على أيّ مُهمّة)، و"خسائر بالأرواح جرّاء مُلاحقة أحد المطلوبين" (دائمًا تُنفّذ القوى الأمنية مُداهمات توقع إصابات)، و"دم فلسطيني بسلاح فلسطيني" (دائمًا يحصل هذا الأمر داخل المخيّمات)، وعشرات الأمثلة التافهة المُشابهة. ولا حاجة للتذكير أنّ المقولات على غرار "نحركات المُجتمع المدني تبدأ بتحقيق أهداف" مبنيّة على مُتابعة مسار الإحتجاجات في الشارع والتي كانت قد بدأت قبل الإنتخابات النيابية الماضية، وراحت تتصاعد تدريجًا، وهي تحركات هاجمت كل الأحزاب ورفعت العلم اللبناني منذ سنوات! وكذلك الأمر بالنسبة إلى تحركات الجاليات اللبنانيّة التي كانت قد بدأت قبل هذا العام.
بالإنتقال إلى السيّدة ليلى عبد اللطيف، فمن توقعاتها "طالبة جامعيّة ستكون السبب المُباشر بتدمير حياة شخصيّة سياسيّة علنًا بالصوت والصُورة" (حلم يقظة مليء بالتشويق لكنه لم يحصل)، و"أبواب سجن رومية تُفتح من جديد لخروج دفعة من الموقوفين الإسلاميّين وبشكل مُفاجئ" (لم يتحقّق، مع الأمل أن تفشل كل الضُغوط التي تُمارس على السُلطات اللبنانيّة لتمرير صفقات العفو عن ايّ مُسجون غير بريء!)، "الموت يُغيّب 3 وجوه نيابيّة وربما أكثر" (لا يزال عدد من النواب من كبار السنّ يُخيّبون أمال المُنجّمين بإستمرارهم على قيد الحياة على الرغم من تقدّمهم كثيرًا في السن!)، و"الإغتيالات تعود من جديد" (الحمدالله لم يحصل شيء من هذا القبيل)، إلخ. والتوقعات التي تحقّقت على غرار "2019 عام التظاهرات في لبنان والشارع يلتهب من جديد ومشاهد غضب وإحتجاج، والجيش اللبناني يمنع التصعيد وسُقوط جرحى" هو مُجرّد تحليل صحافي مرتكز إلى ما حصل في العام 2018 وقبله، والدليل عبارة "من جديد" الواردة ضمن التوقّع. واليوم، يُمكن توقّع نفس الرؤية المزعومة للعام 2020، لأنّ التظاهرات ستتجدّد، والجيش سيتدخّل من جديد أيضًا.
بالنسبة إلى السيّد مايك فغالي، فمن توقعاته التي لم تتحقّق "إتفاقيات ودُستور جديد قادم على أنقاض الطائف"، و"عودة الإرهاب إلى لبنان"، و"مطار بيروت في مشهد حزين"، إلخ. وكان لافتًا أنّ "رؤى" السيد فغالي تركّزت على الخارج من دون أن تصيب، ومنها مثلاً عن سوريا "الدولار يستقرّ لأقلّ من 300 ليرة سورية والعملة السُوريّة تنتعش..." (سعر الدولار يبلغ 515 ليرة سوريّة)، و"عودة 90 % من النازحين بدءًا من النصف الثاني (لم يتحقّق أيّ شيء يُذكر)، وعن تركيا "مُظاهرات كبرى لتغيير الحُكم فيها، تنجح بعد عناء كبير... (لم يحصل هذا الأمر)، و"عواصف مناخيّة من الفضاء الخارجي أكبر بكثير من العواصف السياسيّة تبدأ في مطلع 2019 بمعدّل ما يُقارب كارثة كلّ 3 أشهر" (تصلح هذه الرؤية التي لم تتحقّق لفيلم سينمائي هوليودي)، إلخ.
في الختام، إنّ مُدّعي قراءة الغيب سيُواصلون مُحاولاتهم لجني المال الوفير بسُهولة، لكن حان الوقت لأن يتوقّف الناس عن تصديقهم، وحتى عن مُتابعتهم من باب الحشريّة. فمن المُعيب أن تكون إهتمامات اللبنانيّين مُركّزة على مُتابعة تدجيل هنا أو هناك، في الوقت الذي يغرق فيه لبنان واللبنانيّون رويدًا رويدًا في أزمة حياتيّة مُخيفة لم يتنبّأ بها أحد من هؤلاء "المُنجّمين"، لكن حذّر منها العديد من الصحافيّين والمُحلّلين!.