الشعب العربي في العراق بات مجددا امام مهمة مقاومة القوات الأميركية المعتدية على قوات الحشد الشعبي، التي اسهمت في إسقاط مخطط تنظيم داعش الإرهابي صنيعة الولايات المتحدة، التي تذرعت واشنطن بأنها ارسلت قواتها لمحاربته.. وها هي تكشف عن هدفها الحقيقي وهو العودة إلى تجديد احتلالها واستعمارها للعراق.. بعد أن فشلت حربها الارهابية بالوكالة.. واخفقت حربها الناعمة في إعادة إخضاع العراق وفرض هيمنتها عليه..
ان العدوان الأميركي على قوات الحشد الشعبي من حيث التوقيت والمكان إنما تدلل على جملة الأمور الهامة، ويؤكد عدة الحقائق:
اولا: على صعيد الدلالات،
1 – ان الإدارة الأميركية أدركت ان مخططها لإعادة فرض هيمنتها على العراق قد فشل فشلا ذريعا بالوسيلتين اللتين استخدمتها:
الوسيلة الأولى، شن الحرب الإرهابية بالوكالة بوساطة تنظيم داعش الذي صنعته للقيام بمهمة السيطرة على العراق، أو على الأقل تفتيته وتقسيمه، وخلق المناخات المواتية امام القوات الأميركية التي عادت إلى العراق بموافقة الحكومة العراقية، بذريعة مساعدة الجيش العراقي على التصدي لخطر داعش، لكن ظهر سريعا ان المسؤولين الأميركيين وفي مقدمتهم نائب الرئيس السابق جو بايدن الذي ربط بين المساعدة على القضاء على داعش وموافقة الحكومة العراقية علي احداث تعديلات في السلطة العراقية تتيح عودة القوى والشخصيات التابعة للولايات المتحدة إلى تركيبة الحكم، لكن ذلك لم يتحقق وقرر العراق تشكيل قوات الحشد الشعبي، التي شكلت نواتها فصائل المقاومة العراقية التي قاومت الاحتلال الأميركي بين 2003 و2011، وأسهمت هذه القوات، التي دعمت بمتطوعين، في إلحاق الهزيمة بدولة داعش وتحرير معظم الاراضي العراقية منها، والان تلاحق فلول هذا التنظيم في صحراء الانبار.. وقد أدى هذا الانتصار على داعش إلى توجيه ضربة موجعة لمشروع واشنطن، في الاستثمار بداعش وتحويل العراق إلى قاعدة أميركية لتغذية الإرهابيين في سورية وأحكام الحصار عليها ومنع التواصل بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وباقي أطراف محور المقاومة في العراق وسورية ولبنان وصولا إلى قطاع غزة، كما أدى الانتصار على داعش إلى تعزيز قوة فصائل الحشد الشعبي على الصعيد الشعبي وبالتالي احداث تحول في موازين القوى لمصلحة القوى المناهضة للهيمنة الأميركية وهو ما انعكس في نتائج الانتخابات النيابية وتشكيل كتلة البناء التي تضم فصائل الحشد كأكبر كتلة في البرلمان وبالتالي فشل واشنطن في المراهنة على تعديل ميزان النيابي لتعزيز حضور القوى المتعاونة معها في الحكومة العراقية التي تعتبر السلطة الفعلية التي تقرر سياسات البلاد الداخلية الخارجية.. ولان الحكومة لم تأت على هوى السياسة الأميركية، وعكست توازن القوى لمصلحة الأطراف المناهضة للمخطط الأميركي، اتجهت إلى تعزيز العلاقات مع إيران، وسورية وفتح معبر القائم البوكمال بين بغداد ودمشق وعقد اتفاقية ضخمة مع الصين تتكفل فيها بكين بإنشاء البنى التحتية من كهرباء وسدود وجسور وشق أوتوسترادات وسكك حديد والاستثمار في مشاريع نفطية وغيرها..
الوسيلة الثانية، اتجاه العراق في هذا المنحى اغضب واشنطن ودفعها إلى تنفيذ خطة جديدة للإطاحة بالحكومة العراقية وتعطيل هذه الانجازات العراقية المذكورة انفا، واعادة السياسة العراقية إلى أحضان السياسة الأميركية.. الوسيلة الجديدة هي استغلال الثغرات الداخلية والتي تتمثل في أزمات العراقيين الاقتصادية والخدماتية والاجتماعية، واستفحال الفساد على مستوى مؤسسات الدولة، وهي بالطبع من نتاج المحاصصة الطائفية التي انتهجها قانون الحاكم الأميركي بول بريمر اثر الغزو الأميركي للعراق بين 2003 و2011، واعتمدت الخطة الأميركية أدوات الحرب الناعمة لاستغلال الاحتجاجات الشعبية ضد السياسات الاجتماعية والفساد، وفي هذا السياق جرى توظيف الأطراف السياسية الموالية لأميركا والإعلام والمال ومجموعات مدنية دربت على قيادة التظاهرات الشعبية على الطريقة الصربية الجورجية الاوكرانية، لإسقاط الحكومة والاتيان بحكومة جديدة تنفذ الانقلاب الأميركي لتمكين القوى التابعة لها من السيطرة على السلطة..
غير أن هذه الخطة الأميركية بدأت تواجه الاخفاق بفعل نجاح فصائل الحشد الشعبي في تجنب الانزلاق الى مواجهة المتظاهرين والامساك بورقة تسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة بعد استقالة حكومة حيدر العبادي، انطلاقا من انها الكتلة الأكبر في البرلمان.. فيما عمدت فصائل الحشد إلى تنظيم تظاهرات شعبية حاشد ضد التدخل الأميركي في شؤون العراق الداخلية..
2 – نتيجة فشل الخطة الأميركية لإخضاع العراق، ولان الحشد الشعبي كان له دورا هاما في ذلك، قررت واشنطن الخروج عن قرارها بعدم العودة إلى التورط بشكل مباشرة في مواجهة مع قوى المقاومة في العراق والمنطقة عموما لأنها لا تريد أن “تسيل دماء أميركية ولا دفع أموال”، واقدمت هذه المرة على تنفيذ عدوان استهدف مواقع للحشد الشعبي على طرفي الحدود العراقية السورية، وكان لاختيار التوقيت والمكان أهمية بالنسبة لواشنطن.. لناحية التوقيت تزامن مع فشل تسمية رئيس مكلف تشكيل الحكومة العراقية موثوق أميركيا، ولناحية المكان المعبر الحدودي بين العراق وسورية الذي فتح اخيرا رغم الاعتراض الأميركي والغارات الصهيونية المتكررة التي استهدفت.. وارادت واشنطن بذلك توجيه رسالة بالنار إلى فصائل الحشد الشعبي وتحذيرها من الاستمرار في تعطيل الخطط الأميركية في العراق، ورفع معنويات الأطراف الموالية لها، والقول بأن أميركيا لازالت مستعدة لاستخدام قوتها العسكرية لفرض هيمنتها ودعم القوى التابعة لها..
ثانيا، اما على مستوى الحقائق،
– تأكد للعراقيين ان الولايات المتحدة لم ترسل قواتها لمساعدة العراق على التحرر من داعش، بل من أجل العودة إلى فرض هيمنتها الاستعمارية على العراق، والانتقام من المقاومة العراقية التي الحقت الهزيمة بقواتها الغازية..
– ان استمرار بقاء القوات الأميركية في العراق إنما لأجل التدخل في شؤونه الداخلية وإثارة الفتن ومنع الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، والاعتداء على قوى المقاومة تارة بوساطة الطائرات الصهيونية المسيرة، واخرى بوساطة الطائرات الحربية الأميركية..
– ان العراق لن ينعم بالاستقلال الحقيقي السياسي والاقتصادي واعادة بناء الدولة الوطنية بما يرد الاعتبار للوحدة الوطنية، إلا إذا تحرر نهائيا من وجود القوات الأميركية ووضع حدا لتدخلات السفارة الأميركية، وتحرر من قانون بريمر الذي زرع بذور الفتنة والانقسام، لبيقي الأميركي قادرا على التدخل في شؤون العراقيين..
– ان الولايات المتحدة خرقت الاتفاقيات التي وقعتها مع الحكومة العراقية والتي تنظم وجودها ودورها، وتحولت إلى قوات معتدية على قوات الحشد الشعبي التي يعود لها الفضل في هزيمة داعش ودولته التي هددت وحدة العراق وارتكبت المجازر الوحشة بحق أبنائه.. ولهذا من حق العراقيين مقاومة القوات الأميركية لإجبارها على الرحيل عن العراق..
– ان العدوان الأميركي أعاد توحيد العراقيين في مواجهة الولايات الأميركية حيث تبين لهم ان واشنطن هي سبب اساسي في الأزمات التي تجعل العراق يتخبط في حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار، وقد أظهرت ردود الفعل المختلفة المدينة للعدوان وعيا وطنيا تجسد بالالتفاف الواسع حول الحشد الشعبي والتنديد بالعدوان، والدعوة إلى مقاومة القوات الأميركية باعتبارها قوات معادية تعتدي على وحدات من القوات العراقية وتنتهك سيادة واستقلال العراق ومطلوب رحيلها عن العراق..
هكذا يتأكد بما لا يدع مجالا للشك بأن عدو الشعب العربي العراقي وعدو وحدته الوطنية واستقراره وأمنه والذي يقف حائلا دون استقلال الوطني وتقرير مصيره وتحديد خياراته الاقتصادية والسياسية التي تنسجم مع مصالحه إنما هو الولايات المتحدة الأميركية التي تواصل تدخلها في شؤون العراق وشعبه وتعمل ليل نهار على تقويض استقراره وحياكة المؤتمرات وإثارة الفتن لتحقيق مأربها واطماعها الاستعمارية..