وجد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو نفسه امام معركة مصيرية، لذلك لم يجد احراجاً في استعمال كل ما يملك من اسلحة وطاقة في سبيل الفوز، حتى لو عنى ذلك طلب الحصانة من الكنيست ضد الملاحقة القانونيّة بفعل الدعاوى التي تقدم بها المدعي العام الاسرائيلي ضده في تهم تتعلق بالفساد واستغلال السلطة.
ولكن المعركة هذه المرة تختلف عن سابقاتها، فهي ليست ضد بيئة ايرانية او فلسطينية، بل ضمن البيئة الاسرائيلية، والاهم انه لا يمكن الاعتماد على العصب الديني المتشدد من اجل التلطي خلفه، او اللجوء الى حروب من هنا وهناك للتخلص من هذا العبء. وقد تشكل هذه الحادثة نقطة النهاية السياسية بالنسبة الى نتانياهو الذي أدرك ان خشبة الخلاص الوحيدة بالنسبة اليه لن تكون ورقة الولايات المتحدة ولا اي دولة خارجية، بل فقط الحيل الداخلية التي يمكنه التعامل معها بحنكة. هذا ما فرض عليه اللجوء الى الكنيست لطلب الحصانة(1)، ولو ان الامر ينطوي على مخاطر عديدة، لكنها تبقى الوحيدة القادرة على اعطائه الامل. والحقيقة، ان هذه الفترة ليست الافضل بالنسبة الى رئيس الوزراء الاسرائيلي للاتكال على الدعم الشعبي الداخلي، ففي الانتخابات الاخيرة التي اجريت، لم يحظَ بما يأمل به، لذلك يراهن على سلطة اكبر خلال الانتخابات المقبلة المتوقّعة في آذار المقبل وهي الثالثة في غضون عام.
عدم ثقته بالكنيست الحالي، دفعه على ما يبدو الى طلب الحصانة، كونه يعلم ان البتّ بهذا الامر لن يتم قبل اجراء الانتخابات، ما يعني انه حصل على مهلة ثلاثة اشهر للتحضير لحملته الانتخابيّة واستعادة البريق الذي فقده خلال الانتخابات الماضية، التي وفق نتائجها، لا يمكنه ضمان الحصول على اكثر من نصف اصوات الكنيست البالغة 120 صوتاً. وقد اعلنت قوّتان اساسيتان (الازرق والابيض واسرائيل بيتنا) بزعامة كل من بيني غانتز وافيغدور ليبرمان انهما ستصوتان ضد منح الحصانة، وهذا يعني ان 41 صوتاً قد ضاعت على نتانياهو، فيما سيصوت حزبه الليكود الى جانبه بالطبع (32 صوتا) وسيتم الاعتماد على اصوات الاحزاب الباقية (47 صوتاً) لتحديد مصيره. لم يشأ رئيس الوزراء الاسرائيلي الدخول في هذه المغامرة، لانه محنّك في السياسة وقادر على قراءة الواقع الاسرائيلي الحالي المناهض له، ويعرف ان الاتّصالات والتحركات كانت بدأت لازاحته من الصورة السّياسية وانه يمكن لخصمه نسج تحالفات قادرة على الاطاحة به والتوافق في ما بينهم على واقع جديد لا يكون هو من عداده.
هذا على الصعيد الداخلي، اما على الصعيد الاقليمي والدولي، فهو وجد ان الحصول على اي دعم من الرئيس الاميركي دونالد ترامب يكاد يكون مستحيلاً بفعل ما سبق ان قدّمه سابقاً لجهة الاعتراف بإسرائيل وقرار نقل السفارة الاميركية الى القدس، ناهيك عن المشاكل الداخلية التي يعاني منها ترامب والمتعلقة بإجراءات عزله، فضلاً عن التأكيد بعدم الموافقة الاميركية على أي عمل عسكري يلحظ مشاركتها فيه.
على خط آخر، لا يمكن لنتانياهو اتخاذ قرار بحجم ضرب ايران، حتى انه لم يتمكن من اتخاذ قرار بحرب على الفلسطينيين، مكتفياً بتوجيه ضربات محدّدة وغير حاسمة الى حركة "حماس"، ولا يمكنه التحرك ايضاً على الجبهة اللبنانيّة نظراً الى الاعتبارات العديدة التي باتت معروفة ولا حاجة لتكرارها. لذلك، فإنه في غياب الخيار العسكري، لم يعد لدى رئيس الحكومة الاسرائيلية سوى خيار وحيد وهو الانتخابات، وعليه هذه المرة ان يُقنع من دون استعمال ورقة القوّة العسكرية التي لطالما كانت ملاذه الناجح، وجعلت منه الشخصية الاسرائيلية الاكثر استمراراً في الحكم، وهو يأخذ في الاعتبار انه يضع حياته السياسية كاملة على المحك.
(1) بموجب القانون الاسرائيلي، لا يملك النائب حصانة آلية ضد الدعاوى القانونية، بل يجب عليه طلبها من الكنيست ضمن مهلة محددة.