على مدى الأيام الماضية، حاول الكثيرون التكهّن بالردّ الإيراني المنتظر على عملية إغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، من خلال غارة أميركية في العراق، لكن هؤلاء ما كانوا يتوقعون الذهاب إلى مرحلة المواجهة المباشرة على مستوى منطقة الشرق الأوسط، عنوانها الواضح هو إنهاء الوجود الأميركي العسكري من جانب محور المقاومة، وهو ما أعلن عنه أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، في مقابل السعي الأميركي إلى تبديل المعادلات القائمة، بعد فشل الحروب بالوكالة والعقوبات الإقتصاديّة في تحقيق الهدف المطلوب.
أغلب التوقّعات كانت ترى أنّ الساحة العراقية ستكون مسرح الردّ الإيراني على التصعيد الأميركي، على قاعدة أنّ عمليّة الإغتيال حصلت في داخلها، إلا أنّ السيد نصرالله كان واضحاً بأنّ كل قوى المقاومة على مستوى المنطقة معنيّة بالردّ أو الإنتقام من عملية الإغتيال، نظراً لما يشكّله سليماني من رمزيّة على مستوى المحور بشكل عام، بعيداً عن المكانة الّتي له على المستوى الإيراني الداخلي، حيث ستكون طهران معنية بردّ منفصل من جانبها.
في هذا السياق، كان أمين عام "حزب الله" واضحا بأن الجمهورية الإسلامية في إيران لن تطلب شيئاً من حلفائها وأصدقائها على مستوى المنطقة، في ردّ غير مباشر على الإنتقادات التي من المتوقع أن توجه إليه، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي أو الدولي، وبالتالي قرار تحمل مسؤوليّة الرد لا يندرج في سياق الطلب أو التمني الإيراني، إلا أنّ الأهم هو أن السيد نصرالله حدّد سقف المواجهة المفتوحة بشكل واضح وصريح: الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، الذي لا يشمل الأفراد المدنيين أو المؤسسات المدنية، في إطار هدف محدد ودقيق هو إخراج القوّات العسكريّة من المنطقة، ما يدفع إلى السؤال عن الدور الذي من الممكن أن يلعبه "حزب الله" على هذا الصعيد، وعمّا إذا كان لبنان من الممكن أن يكون مسرحاً عملانياً؟.
على هذا الصعيد، ينبغي التأكيد بأن هذا الهدف لا يبدو قراراً خاصاً بـ"حزب الله"، لا سيما أن البرلمان العراقي، الذي تشكّل القوى الصديقة لطهران فيه الأغلبيّة، كان يناقش التصويت على قانون يإلزام الحكومة بالغاء طلب المساعدة المقدّم منها إلى "التحالف الدولي لمحاربة داعش" والعمل على إنهاء تواجد أيّ قوّات أجنبيّة على الأراضي العراقيّة، وبالتالي الذهاب إلى إخراج القوات الأميركيّة من العراق، وهو ما يتماهى مع المواقف الإيرانيّة التي صدرت، في الساعات الماضية، لناحية أن ثمن إغتيال سليماني سيكون إخراج القوات الأميركيّة من المنطقة.
إنطلاقاً من ذلك، يمكن القول أن المنطقة دخلت مرحلة المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة الأميركيّة وحلفائها من جهة والجمهوريّة الإسلامية في إيران وحلفائها، وهي لن تقتصر على الشقّ العسكري أو الأمني فقط، بل ستشمل النواحي السّياسية والإقتصاديّة في مختلف بلدان المنطقة، لا سيما في العراق ولبنان، حيث المواجهة كانت قد بدأت قبل أشهر عبر سياسة العقوبات التي عمدت واشنطن إلى تشديدها على نحو غير مسبوق، الأمر الذي من المتوقع أن يكون له تداعيات كبيرة في الأيام المقبلة.
على المستوى الأميركي، يبدو أن إدارة ترامب كانت تدرك جيداً حجم التداعيات التي ستترتب على الخطوة التي أقدمت عليها، بدليل تأكيد وزير الخارجية مايك بومبيو، في أكثر من مناسبة، إستعداد بلاده لهاورغبتها في متابعة عملها في العراق، بالتزامن مع تضامن إسرائيلي واضح عبّرت عنه العديد من الشخصيّات السياسية والعسكريّة الإسرائيليّة، في مقابل سعي أوروبي وعربي للحدّ منها، بدليل الرسالة التي نقلها الملك الأردني عبدالله الثاني إلى الرئيس العراقي برهم صالح، والتي تدعو إلى تجنيب المنطقة أيّ تهديد بعد إغتيال سليماني.
في المحصّلة، بات من الواضح أنّالأيام أو الأشهر المقبلة لن تكون سهلة، خصوصاً في العراق الذي سيكون مسرح المواجهة الأساسي، لكنّ الأكيد بعد خطاب أمين عام "حزب الله" أنّ باقي الإحتمالات مفتوحة، بإنتظار الردّ الإيراني الذي سيكشف حجم المدى الذي ستذهب إليه طهران، ثم ما يمكن أن تقدم عليه باقي الجهات المعنيّة في محور المقاومة، من دون تجاهل الإنقسامات الداخليّة التي سترافق هذا التصعيد، لا سيما في العراق ولبنان، وهما على مدى السنوات الماضية مسرحين لمواجهة غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران.