مع بداية الاسبوع الحالي، ورغم التطورات الاقليمية المتسارعة والضاغطة، وبعد التأكد من ان تداعيات اغتيال اللواء قاسم سليماني لن تضع لبنان في المجهول كما كان يتوقّع الكثيرون، استمرّت وتيرة النشاط على حالها في المسار الحكومي، مع الابقاء على توقع اعلانها في وقت قريب خلال هذا الاسبوع. وعلى عكس ما يظن البعض، فإنّ الامر غير متعلق باسم وزير من هنا او آخر من هناك، وهي تفاصيل مهمّة دون شك، ولكنها ليست اساسية في بقاء هذه الحكومة على قيد الحياة فترة كافية لاثبات وجودها. وبعد التشديد على ان تخطي العقبات المذهبيّة والطائفيّة اصبح واقعاً ملموساً، فإن المعنيين يدركون تماماً انه ولكي تؤمّن للحكومة الحياة بعد اعلانها، هناك شرطان لا ثالث لهما يتحكمان بمصيرها: الاول خارجي والثاني داخلي.
على الصعيد الخارجي، لا مفرّ من نيل بركة الخارج على التشكيلة الحكوميّة، وبالتالي منحها ثقة التعاطي معها بشكل عادي كما ايّ حكومة اخرى تم تشكيلها سابقاً، بغض النظر عن وجود سعد الحريري على رأسها او غيره، وقد اتت المؤشرات في هذا الاتجاه مشجّعة للغاية، خصوصاً بعد تكليف حسان دياب مهمة التشكيل، وما يدور من حديث حول الاسماء وخلفيات الوزراء الذين سيشاركون والتي حازت على ما يبدو موافقة الخارج. هذا الامر ان دلّ على شيء، فعلى انّ الطريق سيكون معبّداً للبدء بمسيرة الخروج من الازمة الراهنة وفي مقدمها طبعاً الازمة الماليّة والاقتصاديّة، وهو امر مرتبط بشكل وثيق بالخارج كونه يحمل مفتاح الحل اذ يكفي الاعلان عن عودة الثّقة بلبنان، حتى تختفي المشاكل شيئاً فشيئاً، ليس بين ليلة وضحاها طبعاً، انما بشكل مدروس وفاعل.
وعلى الصعيد الداخلي، المطلوب امر واحد وهو العمل على الحدّ من السقوط السريع للعوامل الاقتصاديّة والماليّة، عبر سلسلة قرارات واجراءات من جهة، والعمل على ابصار مشاريع وخطط كانت موضوعة سابقاً، النور في اسرع وقت ممكن. وما من شك ان اتخاذ قرارات قضائيّة ايضاً تطال بعض الشخصيّات في مراكز مرموقة، من شأنه ان يعود بالفائدة الكبيرة على الحكومة ويعطيها الزخم الكافي للاستمرار واطالة عمرها الذي قرّر البعض سلفاً بأنه لن يتخطّى بضعة اشهر فقط.
من هنا، فإن الدور الذي ستلعبه الاحزاب والتيارات السياسية سيقتصر على مدى الحريّة التي ستعطى للحكومة لتنفيذ الشرط الداخلي، فكلّما زادت مساحة هذه الحريّة، كلما تغذّت الحكومة ونمت بشكل مضطرد. ولن يسود الاعتقاد مطلقاً انّ الطريق ستكون سالكة دون اي عقبات او صعوبات امام الحكومة العتيدة المتوقع اعلانها قريباً، ولكن الفارق سيتمثّل في الادوات التي ستتوفّر لها للمواجهة، وتخطّي المشاكل التي ستعترضها ولو بشكل جزئي، وهو امر بالغ الاهميّة.
وفق ما هو ظاهر حتى الآن، فإن الحكومة المقبلة ستحظى بالموافقة الدوليّة، وستعطى الادوات الاساسيّة فقط للانطلاق داخلياً، ما يعني ان مقومات وجودها ستكون مؤمّنة، ويبقى ايجاد القدرة لدى رئيسها واعضائها على التكيّف مع النظام اللبناني المتقلّب، فيما سيكون الاعتماد على الحراك الشعبي محدوداً جداً، لانّ هذه الموجة العارمة بدأت تنحسر بفعل الممارسات غير السلميّة وغير المنطقيّة للبعض، ما أدّى الى تراجع الثّقة بهذا الحراك وبدوره.
مع ولادة الحكومة، سيكثر الآباء وستضيع وجهة حصد الانجازات التي قد تتحقق، ولكن الثابت انّ الامور ستكون على مسار سليم للعودة الى طبيعتها، اذ بات اللبنانيون يرتضون العودة الى السابق الاليم على البقاء في هذا الواقع المرير، وسيعتبرون ان ايّ خطوة تبعدهم عن هذا الواقع، بمثابة انجاز حتى لو انها اعادتهم الى الوضع السابق الذي كانوا يشتكون منه.