في الساعات الماضية، فتح باب الرد الإيراني على اغتيال الولايات المتحدة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الباب أمام مجموعة واسعة من السيناريوهات التصعيدية، التي لا يمكن الجزم بأي منها في الوقت الراهن، لكن في المقابل هناك مؤشرات قوية يمكن الاستناد إليها لبناء فرضية أن تفتح الخطوة الإيرانية باب الحلول بين الجانبين.
بعيداً عن موقف بعض الشخصيات الفاعلة في الإدارة الأميركية الحالية، لا سيما وزيري الخارجية مايك بومبيو والدفاع مايك اسبر، يمكن الجزم بأن المؤسسة الأميركية والقوى المؤثرة في الجمهورية الإسلامية في إيران لا ترغبان في الذهاب إلى مرحلة المواجهة الشاملة بينهما، بدليل ما نقلته وسائل إعلام في واشنطن، بعد عملية اغتيال سليماني، عن أن بومبيو كان وراء دفع ترامب إلى اتخاذ قرار تنفيذها، وهو المعروف بعلاقاته الجيدة مع دوائر صنع القرار في تل أبيب.
في هذا السياق، يمكن القول ان مستوى التهديدات التي أطلقت، في الأيام الماضية، من واشنطن وطهران تصب في هدف واحد، هو تحذير كل فريق للآخر من تداعيات الدخول في مغامرة غير محسوبة النتائج، وبالتالي السعي إلى ردعه قبل الوصول إلى هذه المرحلة، من دون أن يلغي ذلك معادلة المواجهة غير المباشرة في أكثر من ساحة مشتركة بين الجانبين، وهو ما سيترجم في المرحلة المقبلة على مستوى الساحة العراقية بشكل أساسي.
بالتزامن، لا يمكن تجاهل المواقف التي أطلقت، في الساعات الماضية، من قبل قوى مؤثّرة على الساحة العالمية، خصوصاً تلك الصادرة عن الدول الأوروبيّة، التي سارعت بالدعوة للتهدئة وعدم الذهاب بعيداً في التصعيد، ولا المؤشرات الاقتصادية السلبية التي لم تتأخر في الظهور، سواء بالنسبة إلى أسعار النفط أو الذهب أو الأسهم في أسواق البورصة العالميّة، والتي كان أبرزها الرسالة التي وجهها أمين عام منظمة "أوبك" محمد باركيندو بأنّ المنظمة لا تستطيع وحدها تحمل مسؤولية الإبقاء على سوق النفط متوازنة.
انطلاقاً ممّا تقدم، فإنّ إعادة فتح قنوات التواصل بين الجانبين قد يكون هو الحل الأفضل بالنسبة لهما، خصوصاً أن كلاًّ من واشنطن وطهران أكّدتا عدم رغبتهما بالذهاب إلى التصعيد على مدى الأيّام الماضية التي تلت اغتيال سليماني، باستثناء السقف الذي وضعته إيران للردّ بإخراج القوات الأميركيّة من المنطقة، وهو ما قد يتحوّل إلى مادة صراع داخلي في ظلّ المواقف الرسميّة الصادرة من بغداد، والتي لا تخرج عن إطار دعوة الولايات المتحدة إلى الرحيل ورفض تحويل البلاد إلى ساحة تصفية حسابات.
وفي حين بات من المؤكد أنّ العلاقات بين البلدين وتداعيات التوتر الأخير ستكون عاملاً مؤثراً في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة المقرّرة في تشرين الثاني المقبل، والتي يسعى فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الفوز بولاية رئاسية جديدة، ينبغي الإشارة إلى أن فتح باب الحلول بين البلدين قد يتطلب مغادرة الأخير للبيت الأبيض أو مغادرة بعض الشخصيات الموجودة في الإدارة الحالية لمراكزهم، ما يعيد إلى الأذهان النهاية التي خلصت إليها أزمة احتجاز الدبلوماسيين الأميركيين في طهران، التي بدأت يوم 4 تشرين الثاني 1979 ولم تنته قبل شهر كانون الثاني من العام 1981، بعد موت الشاه محمد رضا بهلوي في العام 1980، وبعد دقائق من أداء الرئيس الأميركي الجديد رونالد ريغان اليمين.
في المحصلة، التحدي الأبرز أمام الرئيس الأميركي يتعلق بكيفية بالفوز في ولاية رئاسية جديدة، لكن المؤسسة الرسمية لا تفكر بهذه الطريقة، بل تنظر في كيفية تأمين مصالحها الإستراتيجية، فهل يلقى ترامب المصير الذي واجهه كارتر بسبب الأزمة مع طهران أيضاً من أجل العودة إلى تسوية جديدة مع إيران أم ينجح في إعادة ترتيب الأوراق بنفسه؟.