يوماً بعد آخر، تكبر المشكلة بين شركات تعبئة الغاز والموزّعين. ومنذ أسبوعٍ، تقريباً، يشوب العلاقة بين الطرفين توتر لا يبدو أنه سينجلي قريباً، وخصوصاً أن الأزمة التي يعيشها لبنان اليوم تُنذر بمزيد من السوء.
بعد أزمة الموادّ الغذائية الاستهلاكية و«حروب» الأسعار الجنونية وأزمتَي المحروقات ورغيف الخبز... تضاف إلى اللائحة اليوم أزمة الغاز التي لاحت ملامحها، قبل يومين، بامتناع بعض وكلاء التوزيع عن تسلّم كمياتهم «بالجملة» من شركات التعبئة، بعدما عمدت هذه الأخيرة إلى تقليصها، ما أثار هلعاً من فقدان هذه المادة الحيوية. التهافت على مراكز التعبئة، خلال اليومين الماضيين، دفع بنقابة موزّعي الغاز في لبنان إلى طمأنة المواطنين بأن «لا أزمة غاز»، وعزت المشكلة بين شركات التعبئة ووكلاء التوزيع الى التأخير في فتح الاعتمادات وتأخر البواخر الناقلة للغاز. هذا ما تقوله النقابة وبعض المنضوين تحت لوائها. مدير محطة «صيداكو» لتعبئة الغاز في منطقة الجناح، أحمد هزيمة، شدّد على أن «لا صحة لما يُقال عن الأزمة... فالوضع طبيعي ونحن نلبي السوق، والموزعون يتسلمون كمياتهم بشكلٍ عادي». والأمر نفسه أكده أحد مدراء شركة «موصللي».
لكن «الجو البديع» الذي يتحدّث عنه أصحاب شركات التعبئة لا يتناسب مع ما يقوله وكلاء التوزيع. فلهؤلاء وجهة نظرٍ أخرى. صحيح أن لا أزمة إلى الآن، لكنها «قادمة»، يقول علي حمدان، مدير شركة «صبره وحمدان».
ويوضح أن التأزّم بدأ قبل نحو أسبوع «عندما بدأت شركات التعبئة بتقليص كميات قوارير الغاز بالجملة، وفرضت علينا استكمال الكميات التي نحتاج إليها من خلال شرائها بالسعر الإفرادي». وأوضح أن هذا التدبير يخضع «لكل يوم وحتى لكل ساعة». فعلى سبيل المثال، تسلّم حمدان أمس «60 قارورة غاز سعة 10 كيلوغرامات بسعر الجملة (12150 ليرة)، و20 قارورة اضطررت لشرائها بالسعر الإفرادي (14500 ليرة)». لا يملك الموزّعون خياراً آخر إلا القبول بما هو مفروض عليهم. هكذا، سيقبل عمر عبد الواحد المصري، صاحب شركة المصري للتوزيع، بـ«30 قارورة بسعر الجملة»، على أن يشتري بقية ما يحتاج إليه بالسعر الإفرادي. واللافت هنا أن ما هو محدود في إطار سعر الجملة مفتوح في الإفرادي «بيقولولنا فيكن تشتروا أد ما بدكن قناني بالسعر الإفرادي»!
الخوف من أن تكون الأزمة مقدّمة لممارسات احتكارية ورفع الأسعار
هي ليست أزمة قارورة غاز بسعر الجملة أو السعر الإفرادي، بل أزمة علاقة بين موزّعين ومراكز تعبئة ومستوردين. فكل من هؤلاء يشدّ إلى الطرف الذي يعفيه من خسارة أرباحه: المستوردون وجدوا أنفسهم بعد خضوعهم لتعميم مصرف لبنان رقم 530 (يفرض عليهم تأمين 15% من الاعتمادات بالدولار، مقابل 85% يوفرها مصرف لبنان) أمام واقع خسارة أرباحهم، إذ عليهم تأمين 15% من قيمة مستورداتهم بالدولار بحسب سعر السوق. وهذا ما دفعهم إلى انتهاج سياسة «الحسم» في الكميات المسلّمة إلى شركات التعبئة التي استكملت بدورها هذه السياسة في علاقتها مع الموزّعين. هنا، وفي ظل انعدام الخيارات، لجأ الموزّعون إلى فرض أسعارٍ جديدة على القوارير التي يشترونها بالسعر الإفرادي، «بعد إضافة النقل والربح»، يقول المصري، لتصبح سعر القارورة زنة 10 كليوغرامات «بين 18 ألف ليرة و20 ألفاً».
في نهاية المطاف المواطن يدفع اليوم ثمن أزمة العلاقة بين الجهات الثلاث، كما دفع سابقاً ثمن الأزمات التي مرّت، ولا يزال. أما أين هي مسؤولية الدولة؟ بالنسبة إلى وزارة الطاقة والمياه، فإن دورها ينحصر في بحث أزمة القطاع: هل هناك أزمة استيراد أم لا؟ في حين أن دور وزارة الاقتصاد، وتحديداً المديرية العامة للمستهلك، فينحصر في النظر في العلاقة بين التاجر والمستهلك. أما الأزمة التي تدور رحاها اليوم بين التجار، فلا علاقة للدولة بها. وهنا، يشير مدير جمعية حماية المستهلك الدكتور زهير برو إلى أن المطلوب اليوم «هو تدخّل الدولة بغضّ النظر عن طرفَي الصراع لأن الغاز مادة أساسية، والخوف من أن يكون هذا الأمر مقدّمة لبدء ممارسات احتكارية ورفع الأسعار والاستفادة من خارج الجدول الرسمي، وخصوصاً أن الغاز من الموادّ المسعّرة رسمياً».