بات من الضروري قراءة المشهد اللبناني، منذ تكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة المقبلة حتى اليوم، بشكل جديد، نظراً إلى أن الكثير من المعطيات المحلية والخارجية دخلت على خط الأزمة، التي انفجرت في السابع عشر من شهر تشرين الأول الماضي.
بعد تكليف دياب من قبل قوى الأكثرية النيابية، طرحت الكثير من الأسئلة حول قدرته على إنجاز المهمة التي أوكلت إليه، في ظل المواقف المعلنة من قبل القوى السياسية الأخرى، خصوصاً "تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الإشتراكي" وحزب "القوات اللبنانية"، بالإضافة إلى الإنقسام الذي سيطر على موقف القوى الفاعلة في الحراك الشعبي، بين من يريد منح دياب الفرصة ومن يرفض ذلك.
في إستطلاع رأي، أجرته الدولية للمعلومات في شهر تشرين الثاني أي قبل الإستشارات النيابية الملزمة، تبين أن 30% من المواطنين الذين لم يشاركوا في التظاهرات لا يثقون بأي حكومة، بينما نحو 50% ينتظرون شكل الحكومة المقبلة، في حين أن 70% مع الإستمرار بالتحركات في الشارع، الأمر الذي قد يكون من المحتمل البناء عليه لفهم ما يحصل اليوم على أرض الواقع.
حتى اليوم، ليس هناك من إستطلاع جديد للرأي لفهم توجهات الرأي العام اللبناني، وبالتالي ليس هناك من أرقام واضحة يمكن البناء عليها على هذا الصعيد، لكن في المقابل هناك مؤشرات سياسية وشعبية يمكن الإستناد إليها، تبدأ من تفاقم الأزمات الإقتصادية والإجتماعية والمالية، ولا تنتهي عند عجز القوى السياسية الفاعلة على تقديم أي حل يكون مفتاح الطريق نحو المعالجة، أو على الأقل الحدّ من التداعيات السلبيّة لهذه الأزمات.
في هذا السياق، أظهرت قوى الأكثرية النيابية، خصوصاً "حزب الله" و"حركة أمل" و"التيار الوطني الحر"، عدم قدرتها على الإتفاق على تشكيل الحكومة المقبلة، لا سيما بعد دخول المعطيات الإقليمية على الخط مع إغتيال الولايات المتحدة قائد فليق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في العراق، نتيجة الخلافات التي تعصف بين أركانها حول شكلها والمعيار التي يجب أن تطبق في تأليفها.
بالتزامن، غابت القوى السياسية الأخرى، التي يمكن تصنيفها بالمعارضة، عن تقديم أي طرح بديل، حيث لجأت إلى التصويب على مشاورات التأليف منذ اليوم الأول للتكليف، من "الحزب التقدمي الإشتراكي"، الذي قاطع الإستشارات النيابية غير الملزمة في المجلس النيابي لكنه أصر على وضع العراقيل من خلال طرح معادلة الحصة الدرزية، إلى "تيار المستقبل" الذي تبين أنه يريد عودة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري إلى السراي الحكومي، وصولاً إلى حزب "القوات اللبنانية" الساعي إلى قلب المعادلة عبر طرح تشكيل حكومة أخصائيين مستقلين.
أمام هذا الواقع، تراجعت التظاهرات الشعبية في الشارع، بسبب فترة عيدي الميلاد ورأس السنة ثم حالة الطقس غير المساعدة على تنظيم تحركات كبرى، لكن في المقابل تفاقم الأزمات يقدم المزيد من المبررات لعودتها من جديد بشكل أكبر، خصوصاً تلك المرتبطة بالمصارف وتراجع سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، بالإضافة إلى التقنين القاسي في الكهرباء، الذي سيزداد بعد شهر شباط في حال لم تقرّ موازنة العام 2020 بسبب عدم توفر الإعتمادات المالية لشراء الفيول، الأمر الذي بدأ يترجم بتحركات أمام معامل الكهرباء ينتهي معظمها بإشكالات مع القوى الأمنية.
من وجهة نظر بعض المراقبين، أغلبية الشعب اللبناني اليوم في موقع المحايد الذي ينتظر ما قد يحصل في الأيام المقبلة، لكن هذه الغالبية كانت في الأصل قد فقدت ثقتها بمعظم القوى السياسية الفاعلة، وبالتالي مع تقدم الأيام من الممكن أن تعود إلى التحرك بشكل أوسع مع إستمرار عجز تلك القوى، خصوصاً أنها على ما يبدو لم تخرج عن دائرة التفكير في المعالجة التي كانت قائمة قبل السابع عشر من تشرين الأول من العام الماضي، لا سيما على مستوى الملف الحكومي، حيث عادت الطروحات السابقة إلى الواجهة: من لم الشمل إلى التكنو-سياسية.
في المحصّلة، حالة العجز السياسي في ظل تفاقم الأزمات المتنوعة لا تبشر بالخير، بل تنتظر تفجر الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية على نحو أكبر، لا سيما إذا ما استمرت حالة المراوحة القائمة فترة أطول من الزمن.