قامت الدنيا في لبنان حين اعلنت الامم المتحدة قرار عدم السماح له بالمشاركة في التصويت او الاجتماعات كونه لم يسدد مستحقاته الماليّة، وهو امر محرج دون شك، انما لا يستأهل ردة الفعل القوية التي رافقته في هذا البلد. فات كل الذين انتقدوا ورفعوا صوتهم بأن في الامر "فضيحة"، ان لبنان يعيش "فضيحة" كبيرة على ارضه قبل ان يعيشها في الامم المتحدة، وان عدداً كبيراً من اللبنانيين لا يستطيع دفع ما يدين به لمؤسسات وجمعيّات او اشخاص بسبب قلة الموارد الماليّة من جهّة، والشروط القاسية التي فرضتها المصارف على الناس، من جهة ثانية. والفضيحة الثانية هي سياسية في ظل "حرد" رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري وعدم قيامه بمهام تصريف الاعمال، و"عجز" رئيس الحكومة المكلّف حسان دياب عن القيام بمهامه كما يجب لتشكيل الحكومة،إنْ بسبب التعنت السياسي، او بسبب عدم قدرته على تقريب وجهات النظر بين مختلف الاطراف.
ماذا خسر لبنان من قرار الامم المتحدة؟ في المبدأ، اعطي الموضوع اكثر من حجمه فقد علت صرخة الامين العام للمنظمة الدولية اواخر العام الفائت مشتكياً من عدم تسديد الكثير من الدول المبالغ التي تدين بها، فيما قرّر الرئيس الاميركي دونالد ترامب تخفيض قيمة المبالغ التي تدفعها الولايات المتّحدة، وقد وصلت الامور الى حدّ تهديد عمل الامم المتحدة وجمعياتها ومؤسساتها بالتوقف عن العمل. لا شك ان مفاعيل القرار بالنسبة الى لبنان معنويّة اكثر منها عمليّة، بحيث يظهر وكأنّه بلد عاجز ولا قدرة له على الايفاء بتعهداته للدول والمؤسسات والمنظمات، وبأنّ ازمته التي يعاني منها حالياً قد حكمت عليه ان يكون ضحية على مذبح الخارج والداخل على حدّ سواء. هذا الامر، له تأثيره بالطبع، علماً ان دولاً عدة لم تدفع ما عليها، ولكنها استطاعت ان تحافظ على صورتها ومعاييرها بفعل نفوذها السياسي وحضورها الوازن على الساحة الدوليّة، فكان هذا الامر بمثابة تعويض عن التلكؤ المالي.
خسارة لبنان الدولية معنوياً، يقابلها عدم تأثير حقيقي من الناحية السياسية والعملية في الامم المتحدة. فحضور لبنان وغيابه ليس له قيمة فعليّة، على غرار غالبيّة الدول المنتمية الى المنظمة الدوليّة، وهو ايضاً ما يمكن شموله بمسألة التصويت التي لا قدرة للبنان او الكثير من الدول التأثير عليه طالما انّ القوانين التي تلتزم بها الامم المتحدة، تضع القرار في يد الاعضاء الدائمين في مجلس الامن الدولي، والذين يملكون وحدهم ميزة اصدار القرارات او منعها، اما المسائل التي تعرض على الجمعية العامة للامم المتّحدة فهي في كثير من الاحيان تكون غير مهمّة، ولا تأثير لها على الاوضاع العامّة او في بلد معيّن.
ولكن بما ان لبنان ينتمي الى الدول الصغيرة وذات التأثير المحدود بالنسبة الى العالم، كان القرار الدولي بالويل والثبور وعظائم الامور، ولم يكن من أيّ خطر ولو بنسبة ضئيلة جداً، على اي امر من شأنه تهديد الاوضاع في هذا البلد بسبب عدم تسديد المبالغ الماليّة، وحتى تواجد القوات الدوليّة في الجنوب "اليونيفيل" لم يكن ليتأثر، لانّ مشاركتها تحظى بموافقة دوليّة كبيرة، ولن يكون من الممكن تخفيض عديدها او سحب جنودها ما لم تتوافق على هذا الامر الدول الخمس الكبرى، وهو امر غير متوافر بعد.
أعطي موضوع عدم دفع الاموال للامم المتحدة اكثر من حجمه، بينما المطلوب اليوم التركيز على همّ تشكيل الحكومة واعادة لبنان الى مسار الاستقلاليّة السّياسية والبدء بعمليّة النهوض التي ستستغرق وقتاً ليتم تنفيذ بنودها.