طرق بابي منذ مدّة عروسان يرغبان في الإحتفال بإكليلهما في كنيسة الرّعيّة؛ العريس مارونيّ والعروس أرثوذكسيّة. أذكر بأنّ اللقاء الأول الذي ضمّنا إلى بعضنا البعض كان تعارفيّاً لم نتطرّق فيه إلى الكثير من الأمور ولا إلى الإنتماءات الكنسيّة. تلاه لِقاء ثانٍ شعرت فيه بأنّ العروس مُرتبكة بعض الشيء، وكأنّها تُريد أن تُفصِح عن أمرٍ ما ولكنّ ثمّة ما يمنعها من ذلِك. ما هو هذا الشيء الذي أدّى إلى حالة الإرباك هذه؟ إنّه التّاريخ الأسود الذي فرّق بين الإخوة وزرع الخوف بينهم. فالعروس المُهذّبة أيّ تهذيب والتي تنتمي إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة، كانت في الحقيقة، خائفة من ردّة فعل هذا الكاهن الذي تراه للمرّة الثّانية، عندما تكشف له عن انتمائها الكنسيّ، وهي على حقّ! فكم من مرَّةٍ وصلَ إلى أذهاننا بأنّ هذا الكاهن أو ذاك قال للعروس أو للعريس: "يا إبني... يا بنتي... ما عنّا بَنات أو شباب بطايفتنا تتزوجوهن... رايحين تاخدو روم... رايحين تاخدو موارني"؟. وما أربَك العروس أيضاً هو أنّ والدها كاهن في الكنيسة الأرثوذكسيّة، فكيف ستسأل هذا الكاهن المارونيّ إن كان سيسمح له بالمشاركة في الإحتفال المقدّس! وإن سألته فهل سيسمح بذلك؟.
نعم، العروس على حقّ. هي أيضاً ابنة كنيسة المسيح المقُدّسة. وابنة تقليدٍ وانتماء وابنةُ كاهن، ويحقّ لها بالتالي أن تنعم ببركة كنيستها وأبيها الكاهن، وما سألَتَه لا يصبّ في خانة اللامعقول. وفي ردٍّ على أسئلتها ابتسمتُ ابتسامةً عريضةً وقلت لها: "إليكِ ما سأفعله، سأتصل بوالدك ونُعدّ سويّة صلاة مارونيّة-أرثوذكسيّة لتكون مادّة لرتبة الإكليل، وهذا بالفعل ما حدث! اجتمعنا، احتفلنا، صلّينا، وبنهاية الإحتفال بالإكليل، أستوقفنا كَمٌّ هائل من المؤمنين ليقولوا لنا: "يا أبونا ما شِفنا متل هالشّي من قَبل، شي بيمجّد الله".
قد يوافق اللاهوتيّون والقانونيّون الكنسيّون وقد لا يُوافقون. قد يُجيزون هذا الفعل وقد لا يُجيزونه. ولكن، ما همّ، فالمُهمّ أنَّ المؤمنين مجّدوا الله، وهذه كانت حال الجموع أمام كلّ أعجوبة كان يصنعُها يسوع، على ما يُخبرنا الإنجيل(مر2: 12). ومجّد المؤمنون الله لأنّهم وَجَدوا أنفسهم أمام أُعجوبة لِقاء الإخوة المُتقارعين على ثوب المسيح منذ أكثر من ألف سنة، ولا ذنب لهُم سوى أنّهم وُلِدوا في هذه العائلة الكنسيّة أو في تلك.
لقد آن الآوان، لا بل تأخّر الأوان كثيراً على وحدة الكنائس. ليس صحيحاً أنّ الأمر هو بيد الله، فالصّحيح أنّ الله يُريد ولكننا نحن مَن لا يُريد. السّلطات الرّوحيّة هي مَن لا تُريد وإن عبّرت في العَلَن عن أنّها تُريد! وإن أرادت فبشروطها لا بِشروط المسيح، خوفاً على المُكتسبات والإمتيازات التي حصّلتها على مدى التّاريخ! ولكن، ليطمئنّ المُسلّطون على كنائس المسيح في إنطاكيّة وسائر المشرق، لا بل في العالم كلّه، الذين لا زالوا يُصلّون منذ أكثر من مئة سنة من دون أن تُثمر صلاتهم! ولتطمئنّ قلوبهم القَلِقة على مُكتسباتهم "المُقدّسة" المُتمترسة وراء حجَج دينيّة لست أدري إن كان مصدرها إلهيّ! ليطمئنّوا، فالوحدة لن تخطف منهم طابيّاتهم(1) ولا لاطيّاتهم(2) ولا كيبّهاتهم(3) ولا قلنسواتهم ولا تيجانهم ولا صُلبانهم ولا أنكولوبيّوناتهم(4) ولا شاراتهم ولا زنانيرهم ولا عُصيّهم ولا جُبَبِهم ولا غنبايزهم ولا مراكزهم ولا مواقعهم ولا ثرواتهم، بل سيكون كلّ خيرٍ فيهم وفي كنائسهم على زَود. ولكنّها ستَخطف منهم الذّئب المُختبئ وراء مظاهر التّقوى، والصّلاة المُمَسرَحة، والضّحكة الصّفراء والمَكر السّيء، والحقد الدّفين.
هو أمرٌ جلل أن نُطيح بماضٍ أسود فرّق آباءنا وأجدادنا على مدى أكثر من ألف سنة ولا زال إلى الآن يعمل على تفريقنا. وأمرٌ جَلَلٌ أيضاً أن نعلِن الحرب على الحروب الدينيّة التي صنعناها باسم مَن نَعبُد ودِفاعاً عَمَّن نعبُد! وباعتقادي أنّ الأمر لا يتطلَّب المُستحيل من المجهود، إذ يكفي أن نؤمن بِما نُبشّر لكي يتغيّر الواقع المُؤلم. فالكنائس التي تعمل بغير ما تقول، وتتصّرف بِخلاف ما تُبشّر، تقف عثَرة في وجه قبول الإنجيل، وفي ذلِك شكّ وعِثار "والوَيْلُ لِمَنْ تَقَعُ الشُّكُوكُ بِسَبَبِهِ"(متى18: 7).
قبل أن نُصلّي هذه السّنة أيضاً من أجل وحدة الكنائس، لننتبه لِمَن ولِماذا نُصلّي وإن كنّا حقّاً نُصلّي، "حتّى ما نقضّيها كلام بِكلام"... والسّلام.