"الليرة بخير"، عبارة اعتاد اللبنانيون على سماعها مؤخّرا، بينما يشاهدون بأم العين "مرضها"، وانخفاض قيمتها مقابل الدولار الأميركي، والحجة دائما بحسب المعنيين هي "العرض والطلب"، فاقتنع البعض أن سوق الصيرفة يخضع فعلا للعرض والطلب ولا تملك أيّ جهة تأثيرات عليه، إنما الحقيقة ليست كذلك وقانون تنظيم مهنة الصرافة في لبنان رقم 347 تاريخ 6 آب 2001 خير دليل على ذلك.
إن القانون رقم 347 والمتعلق بتنظيم مهنة الصيرفة، يشدد في المادة الاولى منه على ضرورة الحصول على ترخيص مسبق من مصرف لبنان للعمل بأعمال الصيرفة، وفي المادة 14 يُعهد بالرقابة على مؤسسات الصرافة الى لجنة الرقابة على المصارف، والمادة 18 تتحدث عن العقوبات التي يمكن للجنة المذكورة فرضها على الصيارفة بحال ارتكبوا عدة أمور منها إيقاع الضرر بسمعة لبنان المالية، ومن هذه العقوبات (التنبيه، منعهم من القيام ببعض العمليات، شطبهم من مؤسسات الصيرفة) واللافت في الموضوع ان قرارات الهيئة المصرفية المتخذة في هذا الاطار، غير قابلة للمراجعة، امّا الأهم هو ما ورد في المادة 19 إذ "يحقّ لحاكم مصرف لبنان بعد أخذ موافقة المجلس المركزي إصدار قرار بإيقاف عمل مؤسسات الصرافة أو الحدّ من نشاطها بصورة موقّتة اذا استدعت ذلك ظروف اقتصادية أو نقدية استثنائية".
تشير الصحافية الاقتصاديّة محاسن حلبي الى أنّ قانون العقوبات اللبناني تطرّق في المواد 297 و319 و320 منه الى مسألة التعرض لمكانة الدولة الماليّة وجرم من يقوم بهذا الفعل، سواء كان الفعل قد حدث داخل لبنان او خارجه، وما حدث مؤخرا من التلاعب بسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، يطبّق عليه قانون العقوبات بالمواد المذكورة أعلاه، لانه تعرض لمكانة الدولة الماليّة.
وترى حلبي أن ما يجري في سوق الصيارفة لا يمكن أن يحصل في أيّ بلد مهما بلغت شدة الازمة، بحال قامت لجنة الرقابة على المصارف بعملها بمراقبة هذه السوق، مشيرة عبر "النشرة" الى وجود اسئلة بحاجة الى أجوبة من لجنة الرقابة، أبرزها لماذا لا تُمارس صلاحياتها في هذه الظروف الاستثنائيّة التي خسرت فيه الليرة حوالي 64 بالمئة من قيمتها؟.
وتضيف: "تحول الطلب الفردي والطلب التجاري والصناعي من المصارف الى سوق الصيرفة او ما يعرف بالسوق الموازي، وهذا أمر يستفيد منه حاكم المصرف المركزي رياض سلامة"، مشددة على أن عمليّات المضاربة تحصل أمام أعين المعنيين ولا أحد يحرّك ساكنا، فعلى أيّ أساس مثلا يفتح الصيارفة السوق على سعر معيّن؟ من يحدّده، وكيف تختلف قيمة الليرة مقابل الدولار بمقدار 25 بالمئة خلال ساعات قليلة؟!.
لا يمكن لرياض سلامة أن يدّعي الحرص على الليرة، ولا يتحرّك لتنفيذ القوانين وضبط السوق الموازي، مع العلم أن هذا السوق بات مشبوها اليوم، وخصوصا من خلال عمليات تجارة الشيكات المصرفيّة. وتشرح الحلبي: "المصرف لا يريد إخراج الاموال للمواطنين ومن يريد إقفال حسابه "الكبير" يعطونه شيكا مصرفيّا، فيأخذ الزبون الشكّ الى الصرّاف الذي يشتريه منه بشكل مباشر أو يكون وسيطا بينه وبين المشتري، وعندها يُدفع للزبون صاحب الشك مبلغا من المال بعد اقتطاع ما نسبته حوالي 20 بالمئة لليرة، و35 بالمئة للدولار، ويصبح المشتري مالكا لوديعة مصرفية، الأمر الذي يسهّل عمليات تبييض الاموال، اذ يأخذ الزبون مالا غير معلوم مصدره بمقابل حصول المشتري على مال في مصرف".
كذلك تطرح الحلبي أسئلة إضافية "فمن أين يأتي الصرّاف بالمال؟ ولماذا يشتري الدولار بكثرة ولا يبيعه بكثرة، وهل هناك من يُخرج العملة الخضراء من البلد عبر العاملين في مجال شحن الاموال؟، مشدّدة على أنّ الإجابات على هذه الأسئلة المقلقة تقع على عاتق المصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف.
وتتابع الحلبي: "يعتبر سلامة مؤتمنا بحسب قانون النقد والتسليف على سلامة النقد لمنع الانهيار بقيمة الليرة، فأين هو المصرف المركزي اليوم من هذه الأمانة، وكيف يرفع يده عمّا يجري بحجّة القوانين بينما هي واضحة لجهة قدرته على التدخل".
لا يشكّل سوق الصيرفة 10 بالمئة من حجم السوق، بل بات يتجاوز حوالي 35 بالمئة، فهل فعلا رُفعت اليد عن قيمة الليرة، وبالتالي بات انهيارها ولو بالسوق السوداء أمرا واقعا؟!.