على الرغم من انّ الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله لم يتطرّق بتاتاً في خطابيه الاخيرين الى الشأن الحكومي بل ركّز كلياً على حدث اغتيال اللواء قاسم سليماني وتداعياته، إلاّ انّ هذا لا يعني أنّ المحرّكات الداخلية للحزب مطفأة، وانّ دوره في كواليس الملف الحكومي المتعثر هو معطل.
يتعاطى "حزب الله" مع مسألة تأليف الحكومة الجديدة بكثير من البراغماتية والمرونة، وهو قرّر منذ تكليف الدكتور حسان دياب إحاطته ومواكبته بكل التسهيلات الضرورية التي من شأنها الدفع نحو إنجاز التأليف في اقصر وقت ممكن، انطلاقاً من أنّ الاولوية الوحيدة بالنسبة الى الحزب في هذه اللحظة هي للجم الانهيار الاقتصادي والمالي والبدء في المعالجة الجذرية لاسبابه، "وهذا ما لا يمكن تحقيقه من دون تشكيل الحكومة التي تمثل الممر الالزامي نحو المباشرة في احتواء الازمة".
وبناء على هذه الاولوية، تفادى الحزب إلزام نفسه بقالب حكومي جامد وتجنّب الوقوع في أسر أي صيغة وزارية، تاركاً موقفه قابلاً للتكيّف مع كل الاحتمالات، من حكومة تكنوقراط اختصاصية الى تكنوسياسية او سياسية، وذلك تبعاً لما تقتضيه الظروف ومتطلبات التوافق الداخلي.
الثابتة الوحيدة لدى الحزب هي ضرورة تشكيل حكومة تكون انقاذية في وظيفتها وخياراتها، اما الرداء الذي ستلبسه فيتوقف على ما يفصّله الخياطون ويتفاهمون عليه.
وعملاً بهذه المعادلة، وافق "حزب الله" خلال المفاوضات مع الرئيس المكلّف على تشكيل حكومة اختصاصيين كلياً، بعدما كان اصلاً من المنادين بتكنوسياسية، وقَبِل بتوزير اسماء غير حزبية، على رغم من انّه يرفض تعميم الأحكام السلبية على مجمل التجارب الحزبية في السلطة، وتقبّل مبدأ الاستغناء عن وزراء الحكومة المستقيلة بمن فيهم الاختصاصيون، مع أنّه مرتاح جداً الى سلوك الوزير جميل جبق في وزارة الصحة.
ولئن كان البعض قد توقّع ان يؤدي اغتيال سليماني الى تشدّد الحزب في معايير التأليف وبالتالي، أن ينتقل من موقع التسهيل الى خانة الإصرار على تشكيل حكومة سياسية أو تكنوسياسية لمواجهة المرحلة الجديدة في المنطقة، إلاّ انّ المفارقة هي أنّ الحزب ظلّ محافظاً على ليونته وبقي مستمراً في انفتاحه على كل الصيغ الحكومية، مع أنّه معني أكثر من غيره بالتطور الاقليمي الدراماتيكي المُستجد، ويفترض أن تكون حساباته الاشد تأثراً به، بحيث أنّ أي تأثير لما جرى في المنطقة على التركيبة الوزارية لا بدّ من ان ينعكس عبر مرآته بالدرجة الاولى.
لكن هذا السيناريو التصعيدي لم يحصل، لأنّ الحزب يعتبر أنّ الشرط الاول لتحصين لبنان وتعزيز جهوزيته إزاء المخاطر الخارجية انما يكمن قبل كل شيء في تبادل التنازلات أو التسهيلات، والإسراع في تشكيل حكومة تتولّى وقف الإنزلاق نحو الهاوية، "اذ كيف يمكن امتلاك القدرة على التصدّي للتهديدات العابرة للحدود اذا كانت مناعة اللبنانيين ضعيفة وظهرهم مكشوف جرّاء تفاقم الأزمة الاقتصادية المالية التي تصيب بتداعياتها كل الشرائح".
وعليه، فإنّ التعقيدات الطارئة على الملف الحكومي اتت من جهات اخرى، من دون انّ يعني ذلك أنّ الحزب لا يتفهّم أو لا يؤيّد وجهة النظر القائلة بوجوب تأليف حكومة تكنوسياسية بعد الاستهداف الاميركي لقائد فيلق القدس، على قاعدة انّ التحدّيات الخارجية الداهمة تستوجب وجود وزراء سياسيين قادرين على مواجهتها، لكن من غير ان يتمسّك في الوقت نفسه بهذا الطرح حصراً. المعيار بالنسبة الى الحزب هو وجوب أن يحظى اي خيار بالتوافق بين الرئيس المكلّف والقوى التي سمّته، فإن تحقّق التوافق على حكومة تكنوسياسية كان به وإن حصل على صيغة الاختصاصيبن فلا مانع ايضاً.
والى جانب تليين الحزب موقفه حيال التوليفة الحكومية، يسعى كذلك الى التوفيق بين طروحات حلفائه من جهة وبينهم وبين دياب من جهة أخرى، بعدما إتسعت أخيراً التباينات داخل صف الأكثرية النيابية التي سمّت الرئيس المكلّف، وتدحرجت مفاعيلها في اتجاهات عدة لتشمل عون- بري، وعون- دياب، وبري- دياب، وجبران باسيل- سليمان فرنجية.
والخلافات "الأهلية بمحلية" متعددة الأبعاد، بدءاً من هوية التشكيلة الوزارية، مروراً بحجم النفوذ في داخل الحكومة للقوى التي ستمنحها الثقة، وصولاً الى عدد الوزراء المفترض، حيث يفضّل عون 24 وزيراً، وبري 20، ودياب 18 فقط لا غير ومن دون إضافة ولو نصف وزير زيادة.
وعُلم انّ طريقة تعامل "حزب الله" مع استحقاق التأليف تحظى بارتياح دياب، حسبما توضح اوساط قريبة منه، مشيرة الى "انّ الحزب هو حتى الآن اكثر من يسهّل مهمته ويقاربها بإيجابية".