هل يحلُّ المُجتمع المدنيّ أو الأهليّ، أيّ الجَّمعيّات والمؤسَّسات غير الحكوميّة، مكان مؤسَّسات الدَّولة؟ أَم هو عضدٌ أَو مكمِّلٌ أو منافس؟
هل يقدِّم المُجتمع المدنيّ البدائل عن "السُّلطة" الَّتي تحكمه وتتحكَّم به؟ وهل تعتبر المُنظَّمات غير الحكوميّة، بمثابة الطريق التي تؤدّي نحو الدِّيمقراطيّة والاعتراف بحقوق الإنسان، أَم أنها "موضة وصَرعَة" تجتاح البلاد؟
يحلم بعض أفراد المُجتمع، بدولة المؤسَّسات، فهل تحقَّقَ حلمُهم؟ أَلا نعتقد أنّ التَّواصل والإتِّصال بين أفراد السُّلطة والمُجتمع بحاجة إلى قواسم مُشتركة؟ هل تعزِّز السُّلطة السياسيّة بالمُطلق، مفهوم الدِّيمقراطيّة وحريّة التَّعبير والرَّأي وفاعليّة الحوار؟ أَم أنها تحاول اختزال أفراد المُجتمع ببعض المؤسَّسات الحكوميّة، والَّتي تعاني ما تعانيه؟
لا بدَّ من أن يقلق أفراد مُجتمع اليوم، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، على مصير الأمّة ويخاف على دولته ومؤسَّساتها، وكيانها وهويّتها، لا سيّما في الظُّروف والأوضاع الَّتي تمرّ بها أغلب البلاد الَّتي تسعى نحو التقدّم والإزدهار على جميع الأصعدة. لهذا يحتّم على كلّ مواطنٍ، صالحٍ، التَّنبّه إلى المصير المُشترك، من خلال الوعيّ للأخطار والحَذَر من التَّشرذم والإقتتال، والضَّياع في متاهات الإنتقادات السَّلبيّة والمُؤذية، كما الضُّلوع في "تفاهمات" مبنيّة على الفساد ومخالفة القانون والمصالح الشَّخصيّة.
يُطلَب اليوم من أفراد المُجتمع كافة (مجتمع مدنيّ ورجال سياسة، والعاملين في المؤسَّسات العامّة)، التَّفاهم على المبادئ الأساسيّة والجوهريّة، وممارسة الحوار والتَّواصل، بهدف تثبيت الحقائق والقِيَم المُشتركة، بين أبناء الأُمّة والوطن الواحد، المبنيّ على احترام حقوق الإنسان، كلّ إنسان.
ننتظر من المُجتمع المدنيّ التحلّي بإرادةٍ قويّةٍ، ووعيٍّ مُستمرّ، وحكمةٍ مُستنيرة، وحسن سلوك، وتربيةٍ سليمة، وتنشئةٍ صحيحة، وتجرّدٍ عن المصالح الخاصَّة والضَّيّقة.
نعم، يُطلب منه التحلّي بصفاتٍ حميدةٍ وأخلاق رفيعة، من أجل المُساهمة في التَّجديد والتَّغيير والتَّنمية المُستدامة والتَّطوير والإصلاح، ممّا يسهم في تحقيق الشَّفافيّة والمُراقبة والمُحاسبة والمُساءلة، من أجل بناء دولة القانون، الَّتي تحكمها المُساواة والعدالة، ويضبطها القانون والحقوق، والواجبات والسَّلام، وتكافؤ الفرص، والتَّنمية المُستدامة، والحفاظ على البيئة، لا سيّما على حقوق الإنسان.
أَلَسنا بحاجة إلى مُجتمع مدنّي يكافح الفساد المُستشري، والحدّ من تهشيم وتهميش بعض شرائح المُجتمع، وإقفال أبواب "الزَّبائنيّة" و"الواسطة" و"الإستزلام" و"التَّسلّط" وحرمان الحقوق؟
يمكننا القول أنّ المُجتمع المدنيّ، يُحيي الحياة السياسيّة والإقتصاديّة، والإجتماعيّة والأخلاقيّة، بطريقةٍ صحيحةٍ ومتطوّرةٍ وشفَّافةٍ.
لذا لا بدَّ من تفعيل حال "المُواطنة"، بهدف تعزيزها للمُشاركة في صنع القرار. ندعو الشَّباب إلى الانخراط في المؤسَّسات غير الحكوميّة، المُحافِظَة على إنتمائها الوطنيّ، مُحقِّقةً بذلك مُمارسة القِيَم الَّتي تجمع الشُّرفاء والنُّزهاء والصُلاّح.
لا شكّ بأنّ المُجتمع المدنيّ، يواجه تحدِّيات كثيرة، كبيرة ومصيريّة، لا بدّ من مواجهتها والتصدّي لها بطريقةٍ حرفيّةٍ ومهنيّةٍ، ونقديّةٍ واعيةٍ، عبر إختبارات الحياة، لتحسين مستوى حياة الأفراد، ونموّهم وتطوّرهم، لتحقيق كرامة الشَّخص البشريّ. يتطلّب هذا الأمر تعميم ثقافة المُواطنة بالارتكاز على الوعي والتَّنشئة، والتَّعليم والتَّربية على الأخلاق، وإشراك شرائح المُجتمع في قضاياه الأساسيّة.
تنتظر شرائح المُجتمع تحقيق نجاحات ظاهرة من قِبَل المُجتمع المدنيّ، فهل خابت آمال هذا المُجتمع المدنيّ بتحقيق بعض الإنجازات؟ وهل تلك الشَّرائح، خاب أملها بطريقة وأداء أفراد المُجتمع المدنيّ؟ كم هي كبيرة مسؤوليّة هذا المُجتمع، إنّه مُطالب بالنَّجاح نحو الأفضل.
هل الهدف بناء مجتمع مدنيّ قويّ ومنظَّم؟ أَم الوصول إلى دولة المؤسَّسات؟ أَم الإثنين معًا، إذ أنّهما يتكاملان ولا ينقض أحدهما الآخر؟
ليكن عالم الأخلاق والتَّنوّع والتَّعدّدية، حافزًا للسَّير نحو عيش الحياة بملئها.
لنبني الوطن معًا على أُسُسٍ سليمةٍ وصحيحةٍ.
خير للإنسان أن يعيش في مجتمع تسوده الطَّمأنينة والأمان.
فلنكن إذًا، بالتكافل والتعاضد، أداةَ سلامٍ فاعلة.