الراهب متشح بمشلحه الرهباني راكع امام مذبح الرب وامامه صورة السيدة العذراء وصورة القديس انطونيوس الكبير ناسك الصحراء وكوكب البرية، الراهب راكع يجدد نذوره الرهانية : الطاعة والعفة والفقر حتى الممات يحيط به اخوته الرهبان الذين مثله سيجددون نذورهم ويشهدون على عهده للرب. انه 17 كانون الثاني وهو عيد مار انطونيوس الكبير ابو الرهبان الجو خشوعي مهيب والصمت يلف الكنيسة والسكون يغمر المكان بإصغاء كبير حتى اننا نكاد نسمع انفاس بعضنا بعضاً...
انذر الطاعة واعطي حريتي
اذا كانت الحرية من اثمن الاشياء في حياة الانسان فالراهب يأتي بعمل كبير وبقرار عظيم ويسلم حريته لآخر ويعطي القرار لآخر وهو خاضع صامت بفرح وسكينة.
الطاعة هي القرار الاصعب في الحياة الذي يقوم به الراهب حين يسلم ارادته وحريته لآخر.
لكن البعد اللاهوتي لهذا العمل هو الاهم والاساس اذ يكرس الراهب كامل ارادته الذاتية لله وكأنه يقدم نفسه ذبيحة لله تعالى ويتحد بإرادته الخلاصية بأمانة خالصة. انهم يقتدون بمثالهم الكبير يسوع المسيح الذي اتى ليتمم ارادة الله آخذاً صورة عبد بالطاعة يخدم الراهب اخوته ويبذل نفسه فداء عن كثيرين الى مقدار قامة ملء المسيح. الطاعة تكون مقرونة بروح الايمان ولاهوت الالتزام بالمحبة نحو ارادة الله. فيخضع الراهب بتطواعية واحترام وتواضع، فيضع الراهب قواه العقلية والارادية ومواهبه الشخصية لبنيان جسد المسيح.
فلا تحط الطاعة من كرامة الشخص او تنتصر، بل تتوجها ببعد لاهوتي قرباني يقود الى النضج بإنماء حرية ابناء الله.
اما الرؤساء المسؤولون عن النفوس التي اوكلت اليهم امرها فعليهم ان ينقادوا لارادة الله وان يستخدموا السلطة بمحبة واحترام ووداعة فيرعوا مرؤوسيهم كابناء الله. ويراعوا فيهم حريتهم الشخصية ومواهبهم وحرية كيانهم الوجودي الانساني ويساند الرهبان بعضهم بعضاً بالمحبة والتراحم والتفاهم والصلاة لاجل بعضهم بعضاً.
(قرار مجمعي في تجديد الحياة الرهبانية 14).
العفة
هي الموهبة الكبرى للذات للحب الالهي، عطاء كامل للقلب والجسد والحياة للمطلق الحبيب الازلي الذي هو الله الوحيد الازلي. تقدمة قربانية للذات كمحرقة حب للحب الالهي، حتى للفنا. والموت فكما مات يسوع حباً لنا نموت نحن حباً لاجله انها فعل تكرس كامل للذات للحب الالهي ولخدمة اعمال الرسالة.
وهي الشهادة الصارخة بان للمكرس عروساً واحداً هو المسيح، وعلى الراهب النادر للعفة ان يعيش في الصحة كاملة للعقل والجسد فلن يغطى بها بعد ذلك للنظريات المقلوبة التي تشير الى انه من المستحيل الحفاظ على العفة الكاملة وان هذه العفة تضر بالتفتح الانساني... ان العفة تكون في مأمن اكبر عندما تسود بين الاعضاء في حياتهم المشتركة محبة اخوية صادقة (قرار مجمعي في تجديد الحياة الرهبانية 12).
«وبما ان المحافظة على العفة الكاملة تقال في الطبيعة البشرية اعمق ما فيها من الاميال، فعلى من يطلب الدخول في الحياة الرهبانية الا يتقدم والا يقبل الى نذر العفة الا بعد ان يمتحن امتحاناً كافياً حقاً وينضج نضوجاً نفسانياً وعاطفياً واجباً. ويحذروا ليس فقط من الاخطار التي تعترض العفة، ولكن ليعملوا كيف ان التبتل المكرس لله يؤول ايضا الى خير الشخصية الكاملة. (قرار مجمعي في تجديد الحياة الرهبانية 12).
الفقر
انه العلاقة الظاهرة الحقيقية السير وراء المسيح وعلى مثال المسيح الذي ليس له مكان يسند اليه رأسه. انه اشتراك حقيقي وواقعي وحياتي للاشتراك بفقر يسوع المسيح الذي اخلى ذاته من ذاته الازلية حاسباً كل شيء كالذبل آخذاً صورة عبد هو الذي في صورة الله وهو ابن الله الوحيد الحبيب على الراهب ان يفتقر عملياً ويكنز له كنزاً في السماء.
ويكون كطيور السماء التي يقتها الله او الدودة في حجر والله يرسل لها رزقها. لكن على الراهب ان يعمل ليحصل ويكسب ما هو ضروري لاعاشته لاعماله. الاتكال على العناية الالهية واجب اساسي دون الافراط بالاهتمام بامور الدنيا.
وعلى المؤسسات الرهبانية ان تعيل الفقراء وعلى الاديار ان تشترك بعضها مع بعض في الخيرات المالية والروحية. وتساعد الميسورة منها تلك التي تشكو من عوز (قرار مجمعي في تجديد الحياة الرهبانية 13) وليتجنبوا مظاهر البذخ والربح المفرط وتكديس الاموال واقتناء فقط ما هو ضروري لحياتها واعمالها.
خاتمة
هذه هي الركائز للاهوتي والروحية والتشكيلة لعيش الحياة المكرسة في جزريتها وسر المحبة الالهية والوجودية بالرغم من ضعفنا البشري ويعطوا بيتنا الكيانية التي يساندها: الصلاة والتأمل والعمل والخدمة والشهادة على عيش نهوية الحياة الرهبانية.