بات من الصعب التعامل مع قوى 8 آذار و"التيار الوطني الحر" على أساس أنهما كفريق واحد، فهذه القوى ليست حليفاً لهذا التيار، وما جرى بالأسابيع الماضية أكّد هذا الأمر، لا بل كشف عن تباعد "فكريّ" بين مكونات 8 آذار، لأن التعاطي بينها في ملف تشكيل الحكومة لم ينطلق من الشؤون السياسية بل المذهبية والطائفية، فـ"الحزب الديمقراطي اللبناني" لم يتصرف كحزب سياسي بل كممثل للدروز، و"التيار الوطني الحر" تصرّف كممثل عن المسيحيين، وبالتالي هو يقبل أن يتمثّل غيره من حصة المسيحيين، أو لا يقبل.
في الأيام الماضية، لم نسمع سوى عبارات طائفيّة، الفريق الشيعي، الحصة المسيحيّة، حصة السنّة، والعقدة الدرزيّة، وتمثيل الكاثوليك، وعندما كادت العقدة تتحول الى سيّاسية عبر تمثيل "الحزب السوري القومي الاجتماعي"، استجدّ "مذهب" الوزير.
أمام هذا الواقع، بات من الضروري السؤال عن الوقائع التي تراهن عليها قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر"، بعد أن خرج رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية، قبل التوافق على ولادتها، ليؤكّد بما لا يقبل الشك، بغضّ النظر عن الإتهامات التي وجّهها، أنّ الحكومة المقبلة هي حكومة اللون الواحد والفريق الواحد، وأنّ الخلافات التي كانت تحول دون ولادتها تتعلق بالحصص التي سيحصل عليها كل مكوّن من هذا الفريق ونوعيتها، سواء بالنسبة إلى تقسيم الحقائب إلى فئة أولى وثانية وثالثة ورابعة، أو بالنسبة إلى طائفة أو مذهب الحقائب، فهل هي تنتظر أن تسهّل قوى الرابع عشر من آذار عملها أم تراهن على أنّ الحراك الشعبي سيمنحها فرصة على "العمياني"؟
بالإضافة إلى ذلك، بات من الضروري السؤال عن إمكانيّة نجاح هذه الحكومة في تجاوز المرحلة الصعبة التي تمرّ بها البلاد، لا سيما أنّ المناكفات بدأت في عمليّة التأليف، وقبل ذلك في مرحلة تسمية رئيس الحكومة المكلّف، بين جزء يريد عودة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري وآخر قرّر إغلاق الباب أمام هذه العودة، وبالتالي المرجّح أن تستمر في المرحلة التي تلي التأليف، في ظل الصراعات المعروفة بين المشاركين المفترضين، من "المردة" و"الوطني الحر" إلى "الوطني الحر" و"حركة أمل" وصولاً إلى "الوطني الحر" "و"القومي"، ويمكن القول أن جذور الصراع الحالي تعود إلى الخلافات التي رافقت الإنتخابات الرئاسيّة والنّيابية.
في التأليف، أظهرت قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" أنها لم تقتنع بأن المواطنين غير مهتمّين بمعاركهم الوهميّة أو صراعاتهم الحزبيّة على الحصص والمغانم، وبأنّ أقصى ما يطمح له هؤلاء هو الوصول إلى حلّ يحدّ من تداعيات الأزمة الماليّة والإقتصاديّة الراهنة، ما يعني أنّ على القوى التي تشكل الأكثريّة النيابيّة أن تعيد حساباتها جيداً منذ الآن، فهي قدّمت كل الأسباب الموجبة لتكون حكومة حسان دياب مرفوضة من الشارع ومن القوى السياسية الأخرى، وقد تكون سبباً لإرتفاع حدة التحرّكات الشعبية.
قبل أيّام، كان من المنطقي أن تراهن هذه القوى بالحصول على فرصة من قبل المواطنين، للمبادرة سريعاً إلى العمل على أمل نيل الثقة الشعبية لاحقاً نتيجة الإنجازات أو الأعمال التي ستقوم بها، وهذه الفرصة قد تكون ضعيفة حالياً، لكن على الأكيد ستكون معدومة في الأيام المقبلة بحال لم تبادر الحكومة إلى احداث صدمة إيجابية، وبالتالي يصبح من المنطقي القول أن القوى التي تعمل على تشكيل الحكومة أضعفتها قبل ولادتها، نتيجة عدم إدراكها حقيقة الأزمة وحجمها والإنعكاسات التي تترتّب عليها شعبياً.
بناء على ما تقدم، لا يملك البلد ترف الدخول في تجربة تبدو فرص فشلها أكبر من فرص نجاحها، في حين كان من الأفضل ألاّ تدخل قوى الأكثريّة النّيابية مغامرة من هذا النوع بعد أن قررت قوى الرابع عشر من آذار الهروب إلى المعارضة، لكن بعد ولادة الحكومة الأمل هو أن تنجح في تجاوز القطوعين الشعبي والسياسي، نظراً إلى أنّ تداعيات فشلها ستكون كبيرة على لبنان أولاً قبل القوى التي ساهمت في ولادتها.