جاء تصريحُ رئيس المجلس النيابي نبيه بري حول عدم تفاؤل الإعلام مقابل "تفاؤلنا" بالحكومة الجديدة، ليؤكد على التباين اللبناني بشأن شكل الحكومة. المواطنون تائهون بين آراء سياسية وشعبية متناقضة، يزيدها القلق من تردّي الأوضاع المعيشية والإقتصادية: هل تستطيع الحكومة الجديدة تحقيق الإنقاذ الوطني؟ النيّة موجودة عند رئيسها حسان دياب وكامل الفريق الوزاري الذي يغلب عليه طابع التكنوقراط، بإستثناء العدد قليل جداً مصنّفين عملياً سياسيين، وهم حزبيون معروفون. بالنسبة الى اللبنانيين التائهين، لا يهم إن كان الوزير حزبياً أم اختصاصياً، المهم هو القدرة على إدارة المرحلة الصعبة، لوقف الإنحدار الحاصل على كل صعيد.
التباين بين المتشائمين والمتفائلين مردّه بشكل أساسي، إلى الإختلاف السياسي على مقاربة العلاجات للأزمة القائمة. هناك من يعتقد أنّ الوحدة الوطنية مطلوبة لرص صفوف القوى والشعب في مواجهة تداعيات الأزمة، وهي مفقودة حالياً، ويشير الى ما يحصل على الطرقات وفي وسط بيروت من تخريب وشغب، وأمام المؤسسات من إحتجاجات ومنع للسير، كدليل على أن أيّ فريق وازن يستطيع شلّ البلد في حال إبعاده عن اللعبة السلطوية، ويستشرس بالإندفاعة العشوائية في حال إعتقد وجود خطة لعزله. وهناك من يظنّ أن حكومة اللون الواحد قادرة على إتخاذ وترجمة الخيارات الإصلاحية بغياب المشاكسات السياسية.
ولنفترض أن الحكومة الجديدة تملك مواصفات سحرية داخلية، فهل تستطيع سد العجز المالي وتأمين الاستحقاقات الخارجية من دون إيرادات؟ في حال جرى الإلتزام بما هو مطلوب دولياً، لتنفيذ جدول أعمال مؤتمر "سيدر" أو تلبية شروط صندوق النقد الدولي، فإن الإعتراضات ستتزايد لبنانياً رفضاً للضرائب المقترحة. هنا سيستفيد المعارضون للحكومة، وخصوصاً تيار "المستقبل" وحزبي "القوات" و"التقدمي الإشتراكي" من الأجواء الشعبية المشحونة لإستكمال لعبة ركب الموجة في الشارع. هم بدأوا في تلك اللعبة منذ إنطلاق الحراك، لكن الكسب كان محدوداً، بإستثناء رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي رفع رصيده في الشارع السنّي بشكل واضح، بعد ان كان متهالكاً. تكمن مصلحة الحريري بإسقاط حكومة "التكنوقراط" في الشارع كما سقطت حكومته. عندها سيأخذ بثأره، مطمئنّاً هذه المرة بأنه الحلُّ الإنقاذي الذي يجمع مكوّنات البلد من جديد على طاولة التسوية.
لا يبدو أن الرفض سيستكين بدليل ما حصل بعد ولادة الحكومة، معزّزاً بعناصر جاذبة شعبياً، كالوضع المعيشي، أو العناوين الطائفية والمذهبية، رغم ان قوى الحكومة تراهن على تعب المعارضين. لكن هناك جهوداً تُبذل لإعادة بثّ الروح في الحراك المدني. قد يكون الأمر صعباً الآن، لكنه يصبح اسهل في حال مر شهران أو ثلاثة أشهر على تأليف الحكومة من دون إنتاجية أو فعالية. فإذا نجحت الحكومة في وقف الإنهيار، ستكرّم شعبياً، رغم الإعتراضات السياسية عليها، وفي حال فشلت، ستُصبح حكومة مكرّسة لإدارة الفوضى قبل تصريف أعمال طويل، قد يمتد هذه المرة لموعد الإنتخابات النيابية عام 2022.
لذا، لن تكون مهمة الحكومة سهلة، وسيكون أعضاؤها أمام الإختبارات اليومية الجدّية، بعد تعليقات اللبنانيين على أشكال وتصرفات وزراء، وتوقّع نجاحاتهم أو فشلهم. لكن المعنيين يرصدون آراء العواصم الخارجية بشأن الحكومة. لم يكن الإعلام الدولي مُنصِفاً لحكومة "اللون الواحد" بإعتبارها "حكومة حزب الله"، وهو تجنٍ مقصود بحقها، ساهم بتعميمه لبنانيون عبر الشاشات منذ ما قبل تأليف الحكومة، رغم أن حوالي ثلث أعضاء الحكومة هم خريجو الجامعات الأميركية، إضافة الى رئيسها الذي يدرّس منذ اكثر من ثلاثين عاماً في الجامعة الأميركية في بيروت. وهو ما إعتبره المراقبون عامل إطمئنان جدّي للغرب، لكن تواصل الإحتجاجات في الشوارع سيفرض آراء دولية تقلّل من الإندفاعة الحكومية، وتعزّز من فرص عودة لم الشمل الوطني في حكومة جامعة ولو بعد حين، لتجنّب مزيد من الكوارث. غير ان من يعرف شخصية دياب يؤكد أنه لا ولن يستقيل ولا يتأثر بكل الهجمات السياسية عليه. مما يعني أن ادارة الفوضى ستبقى قائمة الى موعد التسوية: هل هي محلية؟ أم إقليمية-دولية؟ حتى الساعة لا يكترث الخارج للوضع اللبناني الا بشكل محدود جداً.