تردد الكثيرون في توقع عمر الحكومة التي تشكلت منذ يومين برئاسة حسان دياب، فهي جديدة من حيث الشكل والمضمون، فمن حيث الشكل هي لا تضم بشكل مباشر احزاباً ولا وجوه حزبيين منتمين، ونسبة التمثيل النسائي فيها وازنة، اما من حيث المضمون فهي تواجه تحديات اقتصادية ومالية عسيرة لم يشهد لها لبنان مثيلاً. واضافة الى كل ذلك، اتى وجود دياب على رأسها وهو غير الحزبي ولكن المدعوم من قوى مناهضة لقوى 14 آذار سابقاً، ليزيد الشك حول قدرتها على الصمود والنجاة.
لم تنجح الحكومة بعد تشكيلها في خلق الصدمة الايجابية المطلوبة من اجل وقف التظاهرات والتحركات الشعبية، وهو امر كان متوقعاً وغير مفاجئ، ولكنها في المقابل قطعت الشك باليقين لجهة تأمين الدعم الدولي لها. وقد اقترن القول بالفعل عبر الاوكسجين الذي وصلها سريعاً اولاً عبر الارتياح الذي عبّر عنه الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس، وتبعه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.
نجح دياب في الاختبار الدولي، واثبت ان حلوله مكان سعد الحريري في السراي الكبير، لم يقطع العلاقة بين لبنان والعالم الخارجي، وانه يتمتع بما يلزم لمد الجسور مع دول كبيرة ومؤثرة، ولم يكن تأكيده البدء بجولاته الدولية من الدول العربية وتحديداً دول الخليج على سبيل الصدفة، بل تقصّد الاشارة الى هذا الامر للدلالة على انه واثق من الغطاء السعودي والدعم المالي العربي الذي سيلقاه. غير انّ الكلام الذي صدر عن وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو منذ يومين ارخى بظلاله على نسبة الارتياح التي سجّلت ورفع نسبة القلق من امكان رفض الولايات المتحدة الواقع الحكومي الجديد، ولكن مصادر مواكبة دعت الى متابعة موقف المسؤول الاميركي كاملاً وليس بصورة مجتزأة. واكدت ان بومبيو اجاب رداً على سؤال محدّد عما اذا كانت اميركا على استعداد للعمل مع "حكومة يهيمن عليها حزب الله"، وحتى جوابه بقي غامضاً بعض الشيء اذ قال: "لا اعلم" ولكنه اشترط وصول الدعم الى حكومة غير فاسدة وتلتزم اجراء اصلاحات، قبل ان ينتقد حزب الله بشكل عام. وتابعت المصادر انه يجب ايضاً التطلع الى البيان الذي اصدره بومبيو فيما بعد، والذي شدّد فيه على تجاوب الحكومة مع مطالب الشعب باجراء اصلاحات حقيقيّة لاستعادة ثقة المستثمرين وفكّ عقدة المساعدات الدوليّة للبنان.
وبالتالي، تضيف المصادر نفسها، كان من الاهميّة بمكان انّ بومبيو لم يتّهم الحكومة الجديدة بأنها "تابعة" لحزب الله، وان الشرط الوحيد الذي وضعه كان التزامها بالاصلاحات ومحاربة الفساد، ما يعني انه الشرط المنطقي والواقعي لخروج لبنان من أزمته، وهو ما ينادي به الجميع داخل لبنان وخارجه. واستغربت المصادر أيضاً قيام البعض في لبنان بتحريف كلام وزير الخارجية الاميركي او وضعه خارج سياقه، وتصويره وكأنه حملة على الحكومة كونها "حكومة حزب الله"، فهو لم يأتِ على ذكر هذا الامر لا من قريب ولا من بعيد، كما انه معروف عنه عدم مراعاته للدبلوماسيّة اذا ما اراد توجيه مثل هذا الاتهام.
هذا الموقف يعيد الكرة الى حكومة دياب ووزرائه الجدد، والى الاحزاب والتيارات السياسية اللبنانية، والى المواطنين جميعاً، لانّه يضعهم امام مسؤولية انقاذ انفسهم، ويحثّهم على ذلك باعتبار انّ احداً غير مستعد للقيام بمهامهم، والتضحية بتضحياتهم، وان المطلوب فقط تغيير حقيقي على مستوى العقلية والتعاطي، اي بكلام اكثر وضوحاً، فإن الخارج على استعداد لوضع الاعتبارات السياسية جانباً في الوقت الحالي ليفسح المجال امام اللبنانيين للقيام بـ"نهضة اقتصادية ومالية" و"ثورة" اصلاحية تعيد الامل للبنان بالعيش باستقرار على اكثر من مستوى تماماً كما ينعم بالاستقرار الامني رغم كل الصعوبات والمشاكل، فهل من يتعظ؟.