ما أن أعلن عن تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور حسان دياب، وما أن عقدت أول اجتماع لها، حتى وصلت سريعاً رسائل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الى الجهات التي تقف وراء تصعيد أعمال العنف والشغب رفضاً للحكومة، بأنّ حكومة دياب لا تعكس إرادة اللبنانيين، وأنّ الاحتجاجات في لبنان تقول «كفى لحزب الله» وأنّ «احتجاجات لبنان والعراق تطالب بالسيادة».. وأردف بومبيو، في تدخل واضح وسافر بشؤون لبنان الداخلية، قائلاً: «نريد حكومة غير فاسدة تعكس إرادة اللبنانيين»…!
هذا الكلام الواضح ماذا يعني، وما هي أهدافه، وبالتالي كيف على اللبنانيين والحكومة مواجهتها وإحباطها؟
أولاً: لا يحتاج المرء إلى جهد لمعرفة ماذا يريد بومبيو، فهو يقول للبنانيين «أنا من يقرّر عنكم ويتحدث باسمكم، بأنّ حكومة دياب لا تعبّر عن إرادتكم، وأنّ الاحتجاجات الحاصلة ضدّها تقول «كفى لحزب الله»، وهي تطالب بالسيادة، ممن يقصد؟ من حزب الله.. وهذا يعني بصريح العبارة.. انّ بومبيو يقول للبنانيين: أنا من يحدّد لكم من هي الحكومة التي تعبّر عن إرادتكم.. وبرأيه طبعاً، ان الحكومة يجب أن تكون حكومة اختصاصيين خالية من ايّ شخصيات يمكن أن تكون مؤيدة ومناصرة للمقاومة وحلفائها، وترفض التفريط بحقوق لبنان ومستعدة للدفاع عن حقوقه في أرضه وثرواته وفي اختيار ما تراه مناسباً من سياسات اقتصادية ومالية لحلّ أزمات اللبنانيين التي سبّبتها السياسات الريعية وفسادها التي رعتها ودعمتها واشنطن…
ثانياً: كما لا يحتاج المرء إلى جهد للربط بين الجهات التي رفضت الحكومة قبل أن تولد وحرّضت عليها ودفعت بالمجموعات التابعة لها لاستخدام العنف والتخريب، والقول، أما استقالة الحكومة، التي لم تعرف بعد ما اذا كانت جادة في معالجة الأزمة وتلبية مطالب الناس، أم لا، فهي أصدرت الحكم المبرم عليها، بأنها حكومة فاسدة، وهي حكومة حزب الله، وبلغ الأمر حدّ القول، إنها «حكومة سورية إيرانية».. في محاولة لتحريض اللبنانيين ضدّها ودفعهم لمواصلة تحركاتهم وعدم إعطائها أيّ فرصة لتثبت عدم صحة كلّ هذا التضليل الذي تقف وراءه واشنطن في سياق استخدام أدواتها في الحرب الناعمة الهادفة إلى:
* تأليب اللبنانيين ضدّ مقاومتهم، لأنها هزمت الجيش «الإسرائيلي» وتقف حائلاً دون تحقيق أطماع كيان الاحتلال الصهيوني في ثروات وأراضي لبنان..
* كذلك منع أيّ حكومة من أن تحكم، اذا لم تلبّ الشروط الأميركية القاضية بعزل حزب الله وحلفائه، ومقاطعة سورية، وعدم التوجه شرقاً لحلّ أزمات لبنان الاقتصادية، والخضوع لدفتر شروط صندوق النقد والبنك الدولي سلاح الغرب لفرض الهيمنة على الدول، كذلك القبول باتفاق ترسيم الحدود البحرية والبرية وفق الصيغة التي قدّمها المسؤول الأميركي ديفيد ساترفيلد، والتي تقتطع جزءاً هاماً من حقوق لبنان التي تتركز فيها الثروة النفطية والغازية..
ثالثاً: إنّ الولايات المتحدة تكشف بوضوح عن دورها في التحريض على الفوضى في لبنان والعراق، لإخضاع البلدين للهيمنة الأميركية.. وهذا يتطلب من كلّ القوى والفاعليات الوطنية والمجموعات المدنية، البعيدة عن الارتباط بالسفارة الأميركية ووكالة التنمية الأميركية، التنبّه لذلك، وأن تدرك خطورة ما يحصل من تصعيد للعنف والتخريب في الشارع.. ومدى ارتباطه بالخطة الأميركية لإحداث الانقلاب السياسي، عبر استغلال الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، التي أسهمت العقوبات المالية الأميركية في تسعير حدّتها.. والتنبّه لهذا الخطر وعدم الانزلاق الى الشرك الذي تنصبه الخطة الأميركية، لا يعني التخلي عن مواصلة المطالبة بتغيير السياسات الاقتصادية الريعية، والضغط لتلبية مطالب اللبنانيين المحقة في إجراء إصلاحات وطنية حقيقية تقود إلى تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية…
رابعاً: إنّ كلام بومبيو، وتساوق بعض الجهات والأطراف المحلية معه، يؤكد من جديد بأنّ المعركة الوطنية لإحداث التغيير الاقتصادي والاجتماعي والإصلاح السياسي، الذي ينشده الناس ويخرجهم من أزماتهم المزمنة، ويحصّن ويقوّي مناعتهم ووحدتهم الوطنية، ويعزّز مقاومتهم في مواجهة العدو الصهيوني وأطماعه…
إنّ هذه المعركة لا تنفصل عن معركة التحرّر من الهيمنة الأميركية، والتي تبدأ برفض إملاءات وتدخلات واشنطن في شؤون لبنان الداخلية وتقرير سياساته الخارجية واتخاذ ما يراه مناسباً لمصالحه الوطنية..
خامساً: إنّ الحكومة الجديدة مدعوة إلى أن تثبت للبنانيين أنها على قدر تطلعاتهم، في تحقيق ما يصبون اليه من مطالب وإصلاحات، لا سيما أنّ تحقيق ذلك هو الكفيل في سحب البساط من تحت أقدام الجهات الداخلية والخارجية التي تستغلّ الأزمة لتحقيق أهدافها السياسية على حساب مصالح الناس وأوجاعهم ومعاناتهم التي تسبّبت بها سياساتهم الريعية الفاسدة التي ربطت البلاد بالتبعية لمراكز القرار الأميركي الغربي…