بعد حسم الجدل حول دستورية جلسة المجلس النيابي المخصصة للموازنة، انعقدت الجلسة، بحضور زاد عن 70 نائبا، بعد تأخر دام نصف ساعة عن الموعد المحدد لها. انتظر نواب كتلة المستقبل النيابية حتى الساعة 11:25 ليحضروا الى قاعة المجلس، رغم أن موعد الجلسة كان 11 صباحا، علما أن النظام الداخلي لمجلس النواب ينص على انتظار نصف ساعة بعد الموعد المحدد، قبل إعلان عدم اكتمال النصاب.
دخل النواب الى الجلسة بعد قرع الجرس، جلسوا في أماكنهم، وجلس رئيس الحكومة حسان دياب الذي حضر وحيدا ممثلا حكومته، على كرسيه. حاول إلقاء التحية على النائب بهية الحريري عند مرورها أمامه، ولكنها لم تُبادله التحية، ربّما لأنها كانت منهمكة بقيادة نواب المستقبل الى المعركة التي ينوون خوضها بوجه رئيس الحكومة، الّذي وللمناسبة لم يحضر الى جانبه أي وزير، والسبب بسيط وهو أن الموازنة وضعتها الحكومة السابقة، ولا داعي لمناقشة أي وزير بما لا علاقة له به.
أكد دياب في كلمة مقتضبة، أن الحكومة تؤيّد
الموازنة بسبب الظروف الاستثنائية، واحتفاظه بحق طلب التعديلات عليها عبر مشاريع القوانين. طلب النائب سمير الجسر الكلام، فأغلق النائب سامي فتفت "الجاكيت" تحضيرا للنهوض، ولكن بفضل حكمة رئيس المجلس نبيه بري، وحنكة رئيس الحكومة، فشل المخطط، فلم يقع دياب في فخ "المستقبل" الذين أرادوا إعلانا صريحا منه بشأن تبنّي، أو عدم تبنّي موازنة حكومة الحريري.
ظنّ نواب "المستقبل" أن دياب سيتحفّظ عليها، فصدمهم بجوابه بأنه "لو لم يتبنّ الموازنة لما كان موجودا هنا اليوم". جلس سمير الجسر في مقعده، فكّ فتفت "الجاكيت" وبدأت الجلسة.
بعد اختصار عدد طالبي الكلام لإنهاء الجلسة خلال فترة نهارية واحدة، أقر المجلس النيابي موازنة العام 2020 بأغلبية 49 صوتاً ومعارضة 13 وامتناع 8 عن التصويت، وهذا الأمر هو أفضل الممكن اذا ما تمت مقارنته بفوائد وأضرار الصرف على أساس القاعدة الاثني عشرية، نسبة لموازنة 2019، والتي كانت ستؤدي الى صرف حوالي 4000 مليار ليرة إضافية.
ما يجب التوقف عنده أولا هو موقف تيار "المستقبل"، الذي لربما يفهم معنى المعارضة بشكل خاطئ، فالمعارضة لا تعني رفض موازنة عامة وضعتها حكومة رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري، فهذا الرفض ليس منطقيا، ولا يمكن تبريره، والاهم من هذا كله، هو اننا سنكون أمام مشكلة كبيرة بحال كان التوجه نحو معارضة سلبية لا إيجابية، مع ما يعني هذا الامر من عرقلة لأي محاولات إنقاذية.
اما ثانيا، فقد كان لافتا تشرذم "القوى" السياسية بالمجلس، فقوى 8 آذار والى جانبها التيار الوطني الحر لم تتمكن من حشد النواب لتأمين النصاب، سواء لمعارضة البعض للموازنة، أو بسبب التفكك الذي أصاب تكتل "لبنان القوي"، ولو لم يحضر نواب "المستقبل" لكان النصاب قد سقط، رغم حضور نواب اللقاء الديمقراطي، فهل سينعكس هذا الأمر على جلسات الثقة، وماذا بحال لم يتأمّن النصاب في تلك الجلسات، وبالتالي فإن هذه القوى مدعوة للعمل، لا للتصويت على الثقة، بل لتأمين نصاب الجلسة اولا.
هذا بالنسبة الى داخل المجلس النيابي، اما خارجه فقد كانت الصورة واضحة بأن الجيش اللبناني مصرّ على تنفيذ قراره فتح الطرق المؤدّية الى المجلس، لا بل يُمكن القول أن "الحراك" لم يكن حاضرا لإقفالها، فقد تجمع قرب مبنى "النهار" أقل من مئة شخص من الشمال، حاولوا اللجوء الى العنف قليلا وتمت السيطرة عليهم، أما عند مدخل باب إدريس فلم يتواجد سوى 25 إمرأة، والمدخل البحري جهة "البيال" تجمّع أيضا ما لا يزيد عن 60 متظاهرا، ما يعني أن "الحراك" كان رمزيا لا أكثر.
إن هذا المشهد اليوم، سواء داخل المجلس النيابي أم خارجه، دفع البعض للحديث عن "غطاء" دولي تحظى به الحكومة، فلا القوى السياسية أفشلت جلسة الموازنة، ولا الحراك أراد تفشيلها. فهل يصحّ هذا التحليل؟.