أكّد وزير الاقتصاد السابق رائد خوري، أنّ "السير بخطّة "ماكنزي" في هذه الظروف بات ضرورة، بل حاجة ملحّة لأسباب عدّة"، شارحًا أنّ "في السابق كان يدخل إلى لبنان عملات صعبة من اللبنانيّين المغتربين أو غير اللبنانيّين على شكل ودائع إلى المصارف اللبنانية. أمّا اليوم ومن بعد الضوابط المعتمدة في المصارف، توقّفت التحاويل وبالتالي أصبح من الصعب دخول العملات الصعبة إلى لبنان، والوسيلة الوحيدة للاستعاضة عن هذا الأمر هو خلق قطاعات إنتاجيّة تلبّي الاستهلاك المحلّي فنخفّف الاستيراد من جهة وتزيد حجم الصادرات اللبنانيّة من جهة أُخرى، وهذا من شأنه أن يُدخل عملات صعبة إلى البلاد".
ولفت في حديث صحافي، إلى أنّ "بناءً عليه، يمكن التأكيد أنّ الحاجة إلى تطبيق خطة "ماكنزي" اليوم باتت أضعاف أضعاف ما كانت عليه في السابق"، موضحًا أنّ "خطة "ماكنزي" ليست هي الحل السحري في الشق المالي، بل المطلوب اتخاذ عدد كبير من الإجراءات الماليّة بالتوازي".
وعمّا إذا كانت خطة "ماكنزي" والاستعانة بـ"صندوق النقد الدولي" من الضرورات في المرحلة المقبلة، ركّز خوري على أنّ "النظام الاقتصادي الّذي بُني منذ التسعينيات حتّى اليوم انهار ولم يعد يصلح، والدليل أنّه لم يعد يدخل إلى لبنان أخيرًا أية أموال جديدة. لذا فإنّ خطة "ماكنزي" تضع خريطة طريق لنظام اقتصادي جديد، يفترض بلبنان أن يعتمده في العشر والعشرين والثلاثين سنة المقبلة، أي أنّها تضع ركيزة جديدة للاقتصاد على المدَيَين المتوسّط والبعيد، وهذه الخطوة لا بدّ منها".
وبيّن أنّ "بالنسبة إلى الاستعانة بصندوق النقد أو أي جهة خارجيّة أُخرى، فيجب على الدولة اللبنانية، وقبل التوجّه إلى أي جهة خارجيّة، أن تقوم بمجموعة إصلاحات بالفعل وليس بالشعارات، ولا سيما منها: اتخاذ القرار في ما خصّ دفع استحقاقات سندات الخزينة أو التخلّف عن الدفع، إعادة هيكلة الدين ومن سيدفع فاتورة ذلك، كبار المودعين؟ أسهم المصارف؟ رساميل المصارف؟ الدولة، من خلال تسييل بعض أصولها مقابل السندات الّتي قد تتخلّف عن دفعها؟". وأشار إلى أنّ "ذلك إلى جانب ضرورة إيجاد حلّ لأزمة الكهرباء خلال شهر كحدّ أقصى، حتى نتمكّن خلال فترة لا تزيد عن السنة أو السنة ونصف السنة من الحصول على كهرباء 24/24. وبعد إتضاح الصورة والإجراءات الّتي ستعتمدها الحكومة تجاه هذه الاستحقاقات والملفات، عندها تتجّه الحكومة إلى طلب العون من صندوق النقد أو أي جهة خارجيّة أُخرى".
وعن أفضل المخارج لحلّ الأزمة المالية، رأى أنّ "الحل للأزمة الّتي نمرّ بها هو عبارة عن مجموعة حلول يجب اعتمادها، وذلك يرتبط بمدى القبول السياسي بالحلول المطروحة. الأكيد أنّ هناك فاتورة يجب دفعها، إنّما السؤال المطروح من سيدفع؟ الأجدى أن تدفع الدولة ثمن الفاتورة لأنّها هي السبب الأساسي للمشكلة وهي من تخلّف عن السداد، وهي من أقرّ سلسلة الرتب والرواتب وقام بالهدر وسوء الإدارة. لذا من المفترض بالدولة أن تدفع الفاتورة وربّما عبر بيع أصول تملكها لحاملي السندات".
وفسّر خوري أنّ "على سبيل المثال، عندما تخلّفت اليونان عن سداد ثمن السندات، وبعدما قاموا بإجراء "haircut" على السندات بنسبة 80%، قام الاتحاد الأوروبي بدفع ثمن هذه السندات. نحن في لبنان لن يكون أمامنا هذا الامتياز بأن يدفع الاتحاد الأوروبي ثمن سنداتنا. لذا من المحتمل أن يدفع مودعون كبار جزءًا من الفاتورة، والجزء الآخر يُدفع من رساميل المصارف، وجزءًا من أصول الدولة".
كما شدّد على أنّ "دور المصارف اللبنانية لم ينتهِ بعد، إنّما تقلّص حجمها"، لافتًا إلى أنّ "حجم القطاع المصرفي كان أكبر من حجمه الحقيقي، وأكبر من اقتصاد لبنان. لذا المطلوب اليوم التوجّه نحو بديل ينهض بالاقتصاد مثل الإنتاج من صناعة وزراعة وتكنولوجيا. عندها تستعيد المصارف حجمها الحقيقي، الّذي هو أقل من حجمها الحالي، على أن يتمّ البناء على أُسس صلبة وليس على إقراض الدولة".
وأفاد بأنّ "المصارف اللبنانية أقرضت القطاع الخاص نحو 50 مليار دولار وهذا رقم لا يستهان به، لأنّه يوازي الناتج المحلي"، مرجّحًا أن "يتراجع حجم المصارف والودائع في المرحلة المقبلة ما بين 30 إلى 40 في المئة. ويكمن التحدّي في هذه المرحلة في رسم نموذج اقتصادي جديد". وعن حتميّة عودة المصارف اللبنانية إلى بلدها الأم، ركّز على أنّ "بالتأكيد ستعود المصارف اللبنانية إلى بلدها الأم، وذلك لسببين، أوّلًا الحاجة إلى سيولة بالعملة الصعبة، وببيع الاصول ستدخل العملة الصعبة إلى البلاد. وثانيًا إذا بات وضع المصرف الأم ضعيفًا،ف من الطبيعي أن يبيع أصوله في الخارج أو أن يخفّضها ويعود إلى الداخل".