بعد مرور 104 أيام على إنطلاقة الحراك الشعبي في 17 تشرين الأول عام 2019، قررت السلطة، ممثلة بالقوى الأمنية والعسكرية، تقليص "الحريّة" التي كان يتمتع بها المحتجّون، سواء عبر اختيارهم أماكن التجمّع أو عبر إقفال الطرقات والساحات لضمان وجودهم.
ظُهر اليوم، فُتحت الطرقات في ساحة الشهداء من قِبل عناصر القوى الأمن الداخلي، وانتشرت معلومات عن محاولة لفتح السير في ساحة النور في طرابلس من قبل عناصر الجيش اللبناني، الأمر الذي تنفيه مصادر طرابلسيّة عبر "النشرة" لأن ما حصل هو ببساطة إزالة لدعامات حديد كانت بالمكان، وأراد صاحبها استرجاعها.
لم تُفتح الطرقات لأنّ المحتجين أعادوا إقفالها، وتداعوا للحضور الى ساحة الشهداء، لرفض التدابير الجديدة التي تقوم بها القوى الأمنيّة، ولم يكتفوا بذلك بل اعتصموا في أماكن أخرى احتجاجا على هذا العمل، ولكنهم وعلى عكس ما تمّ تناقله لم يُشعلوا الإطارات في جلّ الديب، وأعلن متظاهرو ساحة النور في طرابلس تضامنهم مع متظاهري ساحة الشهداء، وتحوّل الفعل الأمني الى مادة تُعيد إحياء الساحات التي ضعُفت في الآونة الاخيرة، وتحوّلت، أقلّه في بيروت، الى ساحات حرب لا تظاهرات.
تزامنا مع جلسة المجلس النيابي التي كانت مخصّصة لبحث الموازنة العامة، تواجدت مجموعات شماليّة في محيط مبنى النهار وفندق "لو غراي"، وكان معلومًا أن هذه المجموعات ستعمد لافتعال إشكالات عنفيّة مع القوى الأمنيّة، وفعلا هذا ما حصل، وكان دور "بلاطات" الفندق، الأمر الذي يُعيد الى الواجهة مجددا، سؤالا كان طُرح في عمر الحكومة السابقة، بحسب ما علمت "النشرة" عن جدوى استمرار إقفال الطرقات في وسط بيروت، خاصة بعد أن فُتحت في كل المناطق الأخرى.
تشير مصادر أمنيّة عبر "النشرة" الى أن قرار فتح الطريق الممتد من مبنى جريدة "النهار" الى فندق "لوغراي" صعودا الى بشارة الخوري هو لتسهيل أمور المواطنين، واستكمالا لخطة فتح كل الطرقات في لبنان، فهي وُجدت لتكون متاحة أمام المارة لا لتكون مُقفلة، مشددة على أن القرار كان لهذه الغاية، وجاء ليقول كفى استخفافا بحقوق الناس، وخصوصا اولئك الذين يعملون في تلك المنطقة، وكما يحقّ للناس التجمع والتظاهر، يحق للناس العمل.
بالنسبة الى الاجهزة الأمنية، فإنّ المكان الأسلم للتظاهر والتجمع هو الساحات العامة، ومن هنا كان القرار بالإبقاء على ساحة رياض الصلح مقفلة أمام المواطنين ومخصصة للتظاهر والاعتصام والتجمّع، كذلك تكون ساحة الشهداء، من دون الطرقات المحيطة بها، وبالتالي فإن من غير الصحيح القول أن الأجهزة الأمنية قررت إنهاء "الثورة"، فهذا الأمر مُريب وغير مفهوم.
لم يرض المتظاهرون بفتح الطرق المحيطة بساحة الشهداء، فأعادوا إقفالها، الامر الذي تعاطت معه الأجهزة الأمنية بهدوء، كونها لا تريد بحسب المصادر التصادم مع أحد، ولكنها ستحاول بالتفاهم مع المحتجين الوصول الى حلول تسهّل حياة الجميع.
لا يعني فتح إحدى الطرق في وسط بيروت "إنهاء" حق التظاهر، ولكنه سيشكل إحباطا للمحتجّين على اعتبار أن "السلطة" تأكل من رصيدهم، لذلك قد لا يكون ضروريا فتح هذا الطريق بالتحديد قبل الاتّفاق مع هؤلاء الناس على الأسباب والبدائل، وبالمقابل على المحتجين "إعادة" التظاهرات الى ساحات الحرب المستجدة، أو فتحها.