لا ينفك حزب الكتائب عن المطالبة بإجراء إنتخابات نيابية مبكرة لإحداث تغيير حقيقي في المنظومة المؤسساتية للدولة وعلى رأسها مجلس النواب أو ما يعرف بـ"أم المؤسسات الدستورية". الحزب الذي كان أول من ركب إنتفاضة ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ كونه لم يكن مشاركاً في حكومة سعد الحريري، ساهم بمطلبه هذا مع بعض وسائل الإعلام، بإسقاط شعارات على الحركة المطلبية لم تكن أصلاً ضمن أولوياتها، بل تتوافق حصراً مع أجندته السياسية الخاصة.
"كيف نرفع شعار الإنتخابات المبكرة ونحن نعلم أن الظرف الإقليمي والدولي غير متوافر لإجرائها في ظل ما نسمعه من دعم أوروبي ودولي من الأمم المتحدة لحكومة حسان دياب، وفي ظل عدم صدور موقف أميركي واضح برفضه هذه الحكومة" يقول الناشطون. الناشط والصحافي محمود فقيه وفي حديثه مع "النشرة" يعتبر أن "مطلب الانتخابات المبكرة من دون التركيز على القانون الإنتخابي وشكله لن يؤمن للثوار الحقيقيين تمثيلهم الحقيقي في البرلمان، فعلى أي قانون نجري الإنتخابات المبكرة؟ وإذا سلمنا جدلاً بأن القانون الحالي يحتاج الى تغيير، فمن سيقر قانوناً بديلاً عنه هو مجلس النواب الحالي الذي نعتبر أفرقاءه متورطين بالفساد".
لكل ما تقدّم، وضمن "أولويات المرحلة المقبلة للإنتفاضة، تندرج محاربة الفساد واستقلالية القضاء وعلى رأسه المجلس الدستوري"، يقول فقيه مقتنعاً بأن "الشارع، وعلى رغم كل التعاطف الشعبي مع الثورة، غير مؤهل لخوض انتخابات سريعة قبل البحث بقانون يعطي التمثيل الصحيح، كما أن الثورة ليس بإمكانها أن تدعي تمثيل كل الشارع اللبناني وذلك لأن جمهور الأحزاب وعلى رغم الأزمة لم يخرج بعد من عباءة مرجعيات أحزابه الطائفية". في الحديث مع الناشطين، قد تسمع من يطالب بانتخابات نيابية مبكرة "ولكن عن عدم وعي لخطورة الوضع، هؤلاء سمعوا من يطالب بإنتخابات مبكرة فراحوا يطالبون بها" يختم فقيه.
فضلاً عن عدم تمسك جماهير الإنتفاضة بمطلب الإنتخابات المبكرة، هناك عقبات دستورية أمام حل مجلس النواب لإجراء الإنتخابات، وعلى هذا الصعيد، يكشف خبير دستوري أن الأمر يحتاج أوّلاً الى إقتراح من رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء بحل البرلمان ويتم التصويت عليه بأكثرية الثلثين، وثانياً عبر إقتراح قانون يتقدّم به مجلس النواب لتقصير ولايته ويتم التصويت عليه في الهيئة العامة للمجلس بالأكثرية النسبية، وعندها يتم تحديد موعد جديد للإنتخابات، أما في حال إستقال الـ128 نائباً مع بعضهم فهذا الأمر لا يعني أن المجلس قد حُلّ، بل عندها يجري إنتخابات فرعية لـ 128 مقعداً لإكمال ولاية المجلس.
الخبير الدستوري يوضح أن "رئيسي الجمهورية والحكومة لا يستطيعان حلّ المجلس إلا إذا تأمّن شرط من ثلاثة شروط وهي: إذا لم يجتمع المجلس طوال فترة العقد العادي او طوال عقدين إستثنائيين متتاليين، إذا تلكأ عن إقرار الموازنة بهدف شلّ عمل الحكومة، أو في حال رفض تعديلاً دستورياً إقترحته الحكومة". ويُشدّد على أنّ "حكومة تصريف الأعمال لا تستطيع بالإتفاق مع رئيس الجمهورية حل مجلس النواب، بلّ يجب أن تكون هناك حكومة فعلية تمارس صلاحياتها من أجل القيام بهذه المهمّة".
إذاً بين الشارع الحقيقي الذي إنطلق في ١٧ تشرين الأول والأحزاب التي ركبت موجته، وجهات النظر متباعدة حول الإنتخابات النيابية المبكرة. الأحزاب تريد رفع عدد نوابها وصرف الإنتفاضة في صناديق الإقتراع، والإنتفاضة تريد الإستمرار بتحقيق المكاسب من السلطة وعلى رأسها مكافحة الفساد، بعيداً عن كل الشعارات التي يصعب تحقيقها راهناً.