"صَفقة القرن" هي مُحاولة مُتكرّرة من جانب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لإعطاء شرعيّة دَوليّة لواقع ميداني بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، لا يأخذ في الإعتبار سوى المصالح الأميركيّة والإسرائيليّة، على حساب مصالح دول الجوار العربي، ومصالح الفلسطينيّين أنفسهم. وكل المُعطيات تؤكّد أنّ هذه الصفقة لن تمرّ، ولن تكسب الدعم العالمي المَطلوب لإنجاحها، بإستثناء بعض الدعم الجزئي والمَحدود من قبل قلّة من الدول، ما سيُؤدّي إلى فشلها حتمًا. لكن هل المواقف الطنّانة وحتى الشعبويّة، وكذلك التهديدات الإعلاميّة والتحرّكات الإستعراضيّة، ضُدّ هذه "الصفقة"، كفيلة بعودة اللاجئين الفلسطينيّين؟.
طبعًا لا، فالأمور بخواتمها وبنتائجها، وكلّ اللاجئين الفلسطينيّين ما زالوا في لبنان وكذلك في الأردن وسوريا وغيرها من الدول، منذ عُقود، ولا بصيص أمل بقرب عودتهم في المدى المَنظور! وإذا كان الكلام عن تحرير القُدس والأراضي الفلسطينيّة، وإعادة الحق لأصحابه، يُمثّل أمنية جميلة جدًا يحلم الجميع بتحقيقها اليوم قبل الغد، فإنّ الوقائع على الأرض لا تُشجّع، حيث أنّ الإحتلال الإسرائيلي مُستمرّ، وقد حظيت إسرائيل خلال عهد الرئيس ترامب بغطاء أميركي واضح لتشريع إحتلالها، ليس للأراضي الفلسطينيّة فحسب، بل أيضًا للجولان السوري المُحتلّ، ولمزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانيّة المُحتلّة! وبالتالي، ما هي الخطوات التي يجب على لبنان إتباعها، للخروج من أزمة اللاجئين الفلسطينيّين التي تُثقل كاهله منذ منتصف القرن الماضي، والتي زادت حدّتها بسبب أزمة النازحين السوريّين المُستجدّة منذ مطلع العقد الماضي؟.
لا شك أنّ التمسّك بحقّ العودة، وعدم توقيع الفلسطينيّين أي إتفاق مع الإسرائيليّين يُفقدهم رسميًا هذا الحقّ، هو أمر ضروري، لكنه غير كاف،وعلى المُستوى اللبناني، من الضروري وقف الفوضى القائمة في التعاطي مع هذا الملف منذ عُقود. وفي هذا السياق، يجب الإنطلاق من التشدّد بشكل كبير في إحصاء عدد اللاجئين الفلسطينيّين المَوجودين في لبنان، في ظلّ التضارب الكبير في أرقام هيئات المُساعدة الدولية مُقارنة بأرقام السُلطات اللبنانيّة وكذلك مُقارنة بأرقام الهيئات الفلسطينيّة. وبعد تحديد حجم المُشكلة من خلال الإحصاء الدقيق، يجب التشدّد في تنظيم العمالة الفلسطينيّة في لبنان، ليس بهدف تضييق الخناق عليهم-كما يزعم بعض المُزايدين، بل لضبط الوجود الفلسطيني في لبنان ولتنظيمه، بحيث يحظى العامل الفلسطيني بفرصة العمل كعامل أجنبي في مهن لا تنافس اليد العاملة اللبنانيّة، كما يحصل في كل دول العالم، في حين يُصبح خيار مُغادرة لبنان مطلبًا حتميًا لباقي الفلسطينيّين العاجزين عن تدبير أمورهم بشكل مُناسب وشرعي. وبعد الإحصاء العددي، وتنظيم الوُجود الميداني، وإتخاذ الإجراءات الضرورية لضبط السلاح المُتفلّت داخل المُخيّمات–كما هي الحال في الأردن وسوريا مثلاً، يبدأ العمل الجدّي لإخراج الفلسطينيّين من لبنان، حتى لا يكون وطنًا بديلاً عن فلسطين. وهذا العمل ينطلق عبر تسهيل حُصولهم على جوازات سفر، والتنسيق دبلوماسيًا عبر وزارة الخارجيّة وكبار المسؤولين مع دول العالم كافة، لتسهيل سفرهموتحرّكهم-ولوّ على دُفعات سنويّة مُضبوطة العدد، بحيث يُصبح الخيار مفتوحًا أمام اللاجئين الفلسطينيّين بين التوجّه إلى دول غربيّة تستقبل المُهاجرين للعمل وللبدء بحياة جديدة، في إنتظار ظروف أفضل قد تعيدهم إلى الأراضي الفلسطينيّة مُستقبلاً، وبين التوجه إلى الأردن ومصر، ومنهما إلى المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينيّة حاليًا. والأكيد أنّه من دون رفع الحظر عن سفر الفلسطينيّين في الدول التي تستضيفهم، ومن دون مُوافقة الدول العربيّة المعنيّة ودول العالم على حقّ الفلسطينيّين بالتنقّل، إن إلى داخل الأراضي الفلسطينيّة، أم إلى دول العالم أجمع، لا حلّ في المدى المَنظور للوجود الفلسطيني في لبنان أو سواه. ومن يريد قتال الإسرائيليّين لفرض حقّ العودة بالقُوّة، عليه التخلّي عن الإستعراضات العسكريّة في مخيّم عين الحلوة وسواه،والتوجّه إلى الأراضي الفلسطينيّة، بأيّ وسيلة كانت، وبالتنسيق مع الجهات التي تتولّى تهريب السلاح والعتاد إلى الفلسطينيّين الصامدين في أرضهم، لأنّ المقاومة الفعليّة يجب أن تتمّ في الأراضي التي تحتلّها إسرائيل وليس في بؤر مُسلّحة خارج الشرعيّة اللبنانيّة.
وبالنسبة إلى التنسيق مع سوريا، فهو صار ضروريًا، بعيدًا عن الإعتراضات الداخليّة بشأن تعويم النظام السُوري وما شابه. فهذه الورقة التي يعتبرها الكثيرون بمثابة مفتاح عودة النازحين السُوريّين إلى بلادهم، يجب أن تُرمى على الطاولة من قبل الحُكومة الحالية الخالية من أيّ أحزاب مُعارضة لهذا الخيار، لتظهر عندها الجهة الحقيقيّة التي كانت تُعرقل فعليًا عودة هؤلاء!.
وفي الخُلاصة، إنّ لبنان شبع وُعودًا طنّانة، ومواقف إستعراضيّة، وكلامًا شعبويًا، وحان وقت العمل، أي وقت البدء فعليًا لا نظريًا، بتسهيل إخراج اللاجئين الفلسطينيّين والنازحين السُوريّين تباعًا من لبنان، ليختاروا هم وجهتهم المُستقبليّة، بدلاً من ترك حال الفوضى القائمة حاليًا، في ظلّ تكاثر اللاجئين الفلسطينيّين من جيل إلى جيل في لبنان، وبدء تكاثر النازحين السُوريّين بدورهم في لبنان أيضًا، في تكرار للسيناريو الفلسطيني! وإذا كان لبنان يرفض بيع أرضه، عبر الحُصول على مُساعدات ماليّة في مُقابل توطين الفلسطينيّين، فعليه أيضًا عدم الإكتفاء بالإعتراضات الإعلاميّة في الوقت الذي يُعتبر فيه التوطين قائمًا فعليًا على أرضه منذ عشرات السنوات، ولا ضوء أبيض في نهاية هذا النفق حتى اليوم!.