لم تكن رسالة رئيس المجلس النيابي نبيه بري موّجهة للحركيين حصرا، بل لكل اللبنانيين، لأن الفتنة عندما تقع لا تميّز بين مواطن وآخر، بين حزبيّ ومستقل، بين "ثورجي" و"مدّعي ثورة"، هذه الفتنة التي يحاربها رئيس المجلس منذ 15 عاما على أقل تقدير، تُطل برأسها اليوم بأشكال جديدة، تنفيذا لغايات قديمة، لذلك كان لا بد من رسالة تُخاطب الوجدان، للتحذير من الفتن والمفتنين.
ظنّ البعض أن بالإمكان تحجيم رسالة بري عبر ربطها بإشكال ما، في منطقة ما، ولكن المطلعين على الوضع اللبناني يعلمون بأن المقصود بالفتنة أكبر من شارع وحي وتنظيم. لا شكّ أن مخطط تنفيذ صفقة القرن لن يكون ورديا، ولا يمكن أن تسقُط بلا معركة، خصوصا وأن لبنان الذي يرفض هذه الصفقة بشكل حازم، لن يُترك وشأنه، لذلك فإن التحذير من الفتنة يقع في هذا الإتجاه، بحسب مصادر مطّلعة على مواقف رئيس المجلس النيابي، مشيرة الى أن الفوضى، الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ستكون السلاح الأول الذي يحاول عبره أعداء لبنان "تركيع" البلد، ودفعه باتجاه القبول بالصفقة.
وترى المصادر أن شكل الفتنة الذي تحدث عنها بري غير مُحدّد، بل يمكن القول أن شكلها منفتح على كل الاحتمالات، وستطال تجربة بث الفتنة كل "الخواصر" الطرية، فقد تكون سنية-شيعية، ولكن بأدوات جديدة، شاهدنا بعضها في شوارع بيروت، وقد تكون غير ذلك، مشددة على أن الفوضى المطلوبة لا تحتاج لإشعالها الى مشاركة جماعات كبيرة، بل يكفي بضع عشرات من الشبان للقيام بهذه المهمة، وهم اذا حاولوا منذ أيام إشعالها، وفشلوا، فهذا لا يعني أنهم لن يحاولوا مجددا، ومن هنا كانت الدعوة لكظم الغيظ، لأن في لبنان لا مكان للفتنة.
وتكشف المصادر أن المعنيين بالسلطة يعلمون أن هناك من يعمل ويموّل ويدفع باتجاه الفوضى والفراغ والتقاتل بين اللبنانيين، حيث أثبتت تحقيقات القوى الامنية هذا الأمر، وإن لم يكن قد أعلن عنها بشكل كامل، مشيرة الى أن الشيء الجيّد هو تبرؤ القوى السياسية الأساسية، وتحديدا في الساحة الإسلامية، الى جانب دار الفتوى، من هذه المحاولات، الأمر الذي أضعفها، ولكن هذه المحاولات ليست الاولى ولا الأخيرة، فأحيانا تلبس الفتنة لبوس السياسة أيضا، والمطلعون على جلسة الموازنة الأخيرة يعرفون كيف تكون الفتنة سياسية، ويدركون كيف منعها بري من خلال اتصالات سبقت الجلسة بنصف ساعة.
انتقد البعض دعوة رئيس المجلس النيابي للصبر على الأذى، على اعتبار أن مناصري حركة أمل اعتدوا على المتظاهرين في أكثر من مناسبة، ولكن هذه الاعتداءات المرفوضة من قبله وقيادة الحركة، لا بل من غالبية جمهورها، لا تُقارن بحسب المصادر بحجم الاستفزاز الذي تعرضت له هذه البيئة، وصبرت عليه، منذ انطلاق الحراك حتى اليوم، أي منذ حرق صور الإمام موسى الصدر ونبيه بري في صور، مرورا بالحملات الإعلامية المشبوهة والمكثّفة، وتوجيه الشتائم نحو رئاسة المجلس النيابي في تظاهرات بيروت، وصولا الى محاولة حرق صورة بري في خلدة منذ أيام.
عملت قيادة حركة أمل، بحسب المصادر، في مناسبات لا تعدّ خلال الأشهر الماضية على ضبط بيئتها الشعبية لقتل الفتن، ونجحت، من أحداث الشياح–عين الرمانة، الى محاصرة الضاحية الجنوبية لكي لا ينتقل أصحاب الدراجات النارية الى بيروت، الى احداث جسر الرينغ، ومن خلال العودة الى الماضي القريب والبعيد يتبيّن أن تاريخ الحركة في محاربة الفتن لا يحتاج الى شرح، وهي بحسب المصادر ستستمر بفعل ذلك إيمانا منها بلبنان الواحد، وهي ترى اليوم "أن الفتنة كبيرة، بحجم سرقة فلسطين، الأمر الذي يُلزم جميع القوى، الرسمية والحزبية، بإعلان المواجهة، والبداية في الجامعة العربية".
تكشف المصادر أن لبنان سيشدّد في اجتماع وزراء الخارجية العرب المقرر اليوم في القاهرة، على ضرورة "دفن" الخلافات العربية- العربية، والتركيز على إصدار موقف عربي موحّد من "سرقة" القرن، يشدد على وحدة فلسطين كبلد عربي عاصمته القدس الشريف، وضرورة تنفيذ القرارات الدولية بشأن حقّ اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى أرضهم. وتضيف: "لبنان يعتبر أن هذه المرحلة المفصلية في تاريخ الأمة، تفترض علينا عملا داخليا كبيرا على علاقة بوأد الفتن، والخروج من الأزمة الحالية، وإعادة النازحين السوريين الى بلادهم، مع التشديد على هذا الامر، كون العلاقة بين اللاجئين الفلسطينيين وقضيتهم، والنازحين السوريين وازمتهم اكبر من مجرد "تشابه حالات"، وعملا خارجيا، يجب على لبنان أن يكون الأساس له، نظرا لأهمية القضية الفلسطينية أولا، والترابط بين لبنان وفلسطين ثانيا.
لا ترى المصادر مناصاً من خروج لبنان من أزمته ليتفرغ لمواجهة صفقة القرن بشكل كامل، مشيرة الى أن الحكومة ستنال الثقة قبل الخامس عشر من شباط، أي بعد عودة رئيس المجلس من ماليزيا حيث سيشارك في اللقاء البرلماني المخصص للقدس، وسيكون أمامها فرصة زمنية تمتد الى عيد المقاومة والتحرير في أيار، حتى تتمكن من إحداث الفرق، كاشفة أن الكثير سيحصل خلال هذه المرحلة خصوصا وأن خلالها ستجري الانتخابات الاسرائيلية، لذلك على الحكومة أن تعمل بجدّ، وعلى القوى السياسية أن تشكل الحصن المنيع لها لكي تعمل.
هذه هي المرة الثانية التي يتوجّه بها نبيه بري الى جمهوره خلال فترة 6 أشهر، قبل الحراك وبعده، وما قيل في الأولى، لم يتغير في الثانية. الدعوة للتنبه من الفتن الداخلية "والجهوزية لإفهام العدو أن كل شبر من لبنان هو مقاوم".