لم تكن بداية شهر شباط شبيهة بانطلاقة العام الحالي في إيران، فجنون شهر كانون الثاني(1) قابله تهدئة تمثّلت بتفعيل القناة الماليّة السويسريّة عبر انجاز أول معاملة ماليّة لصفقة أدوية بقيمة 2.5 مليون دولار بين إيران وسويسرا (راعية المصالح الأميركيّة في طهران)، على أن تتفاعل أكثر في الأسابيع المقبلة.
هذه الجهود السويسرية بدأت في نهاية العام 2018، مع بدء حكومتها لـ"محادثات حساسة" حول خطة للإمدادات الإنسانية مع الحكومتين الأميركية والإيرانية. هذه الخطة كانت تحتاج لها طهران، نظراً للنقص في بعض الأدوات الطبّية والمستلزمات الحياتية الأساسية، إضافة لرغبة واشنطن في ازالة التهم عنها بأنها تحاصر الشعب الإيراني معيشياً وطبياً.
في تفاصيل هذه المعاملة الماليّة، حصلت طهران على 180 ألف صندوق من الأدوية اللازمة لزراعة الأعضاء، مع فتح المجال أمام الحصول على ادوية أخرى وسلع أساسية. وهذه العملية جاءت بتبادل للأموال الإيرانيّة الموجودة في البنوك السويسرية مع هذه السلع التي حصلت عليها طهران.
في موازاة ذلك، كان قد زار منسق السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي جوزيف بولر طهران، والتقى المسؤولين، في ظل الحديث عن طلبات إيرانية بتفعيل القناة المالية مع الاتحاد الاوروبي ليصبح مجموع هذه القنوات الفاعلة 3: سويسرا، روسيا والاتحاد الاوروبي، والهدف من كل ذلك هو الالتفاف على العقوبات الأميركية التي تعتبر الأشدّ منذ قيام الجمهورية الإسلامية.
أميركياً، حاولت واشنطن استغلال هذه العملية لجذب الشعب الإيراني والظهور بصورة "المحب والمسالم". وهذا ما ظهر في البيان الأميركي الذي أوضح أنّ هذه الخطوة "ستساعد الشعب الإيراني الذي يعاني المصاعب بالحصول على السلع السويسرية دون الاصطدام بالعقوبات".
فقوبل هذا الموقف لواشنطن بآخر لطهران حازم، إذ اعتبرته خير دليل على استهداف الشعب الإيراني، لأنه في حال كانت العقوبات تستثني الغذاء والدواء، فما الحاجة إلى هذه القناة الخاصة مع سويسرا، وبالتالي فإن إيران تطالب بتقديم آليّة مصرفية للتبادل المالي وشراء السلع الأساسية بدل فتح هذه القنوات الخاصة.
وككل الأحداث التي تطرأ، انقسم الشعب الإيراني بين المرحب بهذه الخطوة السويسرية والمنتقد لها. فبعد أن اعتبر المحافظون أنها انتقاص من السيادة الإيرانيّة و"نصف حلّ" للأزمة مع أميركا، اعتبره الإصلاحيون خطوة مهمة في سبيل الوصول إلى حل لكل الأزمات مع واشنطن، مشيرين إلى أنّ عدم مصادقة طهران على قانوني مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بعد مضي عام على مهلة مجموعة العمل المالي هو مكمن المشكلة، وبالتالي "عندما لا نتحدث مع العالم بلغة ماليّة دوليّة علينا ألاّ نصوب سهام النقد الفارغ نحو القناة".
إذا، ورغم العقوبات القاسية على طهران، لا يمكن اعتبار القناة الماليّة الجديدة مجرد أداة إنسانيّة، إنما هي علامة سيّاسية نحو الانفراج، خصوصاً وان سويسرا هي راعية المصالح الأميركية في إيران وأن القناة بإمكانها أن تكون بشرى لحلّ المشاكل في طهران.