يُقال في الأمثلة العامية: "تمخض الجبل فولد فأرًا" ...
في حالنا اليوم يمكن القول: "تمخضت الحكومة فولدت بيانًا وزاريًا" من السهل تفنيده وإنزاله من الغربال، لأن فيه من العورات أكثر مما فيه من مضمون .
عند قراءة أي نص، تبدأ قراءة السطور ثم بين السطور، في حالة البيان الوزاري الذي بين ايدينا، تكفي قراءة السطور لجهة وضوح ماذا يريد مَن كتبه، لكن ما يريده ليس منطقيًا أحيانًا، وفيه في أكثر من فقرة أو صفحة ما يمكن تسميته بأنه "بيع حكي" أو "صف كلام".
***
تقع مسودة البيان الوزاري في 17 صفحة :
في الصفحة الأولى، وفي السطر الرابع تحديدًا، يرد في البيان ما يشبه مقدمات أفلام الرعب حيث يقول: "مخطئ مَن يعتقد أنه سينجو من انهيار الإقتصاد والأمن ومن غضب الناس".
هذا إقرار من أول الطريق بأن انهيار الإقتصاد والأمن آت "ما لم نتواضع ونعترف بأن استعادة الثقة تكون بالأفعال وليس بالأقوال".
***
ثم يقول البيان: "علينا اتخاذ اجراءات مؤلمة".
يا سادة، كم مرة في اليوم تستخدمون عبارة "مؤلمة"؟
اتعتقدون أننا لسنا في قلب الألم اليومي؟ لكن عليكم أن تحددوا الخطوات المؤلمة،
ولمَن يجب ان تتوجه؟ يُفترض فيكم أن تعرفوا ان الخطوات المؤلمة يجب ان توجه إلى الذين تسببوا بالآلام للناس، وهُم معروفون ممن استفادوا من كل خيرات الدولة. وعند الحساب هرَّبوا أموالهم ربما تمهيدًا لهروبهم هُم .
***
في البيان الوزاري تقولون: "نعمل على أن نكون حكومة تعتبر أن العديد من مطالب الحراك ليست فقط محقة بل هي في صلب خطتها".
عظيم! إذا كان الأمر كذلك، فأين ورد في البيان الوزاري ما يَشفي غليل الحراك؟ الحراك لم يطالِب بوعود، لقد شبع وعودًا، وما ثورته إلا لأنه كان يطالب لكنه كان يُواجه بالوعود .
***
تتحدَّثون في الصفحة 5 من البيان الوزاري عن "متابعة التحقيقات واتخاذ الإجراءات اللازمة بخصوص الأموال التي حُوِّلت إلى الخارج بعد 17 تشرين الأول 2019 خلافًا للقانون".
مهلًا مهلًا مهلًا !
لماذا "متابعة التحقيقات"؟ هل في الأمر جرم؟ وكيف يكون تحويل الأموال مخالفًا للقانون؟
حاكم مصرف لبنان، في إحدى مقابلاته يقول إن التحويلات قانونية، فكيف تقولون أنتم إنها مخالِفة للقانون؟
إذا كانت كذلك فإن مَن حوَّلوا ما زالوا في لبنان، سواء المصارف التي حوَّلت أو المودِعون الذين حولوا.
هل بإمكانكم أن تنشروا أسماءهم إذا كنتم تجرؤون.
يا سادة، إن منع تحويل الأموال إلى الخارج هو مخالِف للقانون وليس العكس. التحويل يحميه الدستور والقوانين المرعية الإجراء، أما عدم التحويل فهو السلبطة بعينها .
***
وتقولون في مكان آخر من الصفحة ذاتها: "إقرار مشروع قانون يكافئ مَن يساعد في الكشف عن الجرائم التي تستهدف المال العام الذي يتبين انه اكتسب بشكل غير شرعي ليصار بالنتيجة الى إسترداده بما في ذلك ما تم تهريبه الى الخارج لا سيما عبر المصارف".
هذا الكلام ليس مجرد مقطع في بيان، إنه خارطة طريق، وكاتبه يعرف ان هناك جرائم استهدفت المال العام لكنها لا تحتاج إلى تخصيص جائزة لمكافأة مَن يساعد في الكشف عنها. لماذا في الدولة هناك نيابة عامة مالية وأمن عام ونيابة عامة تمييزية ومديرية مخابرات وشعبة معلومات وأمن دولة ومحكمة عسكرية وهيئات تفتيش قضائية، الجميع يعرفون ان هذه الأجهزة تعلم كلَّ شيء، فلماذا لا يُستفاد من معلوماتها؟
الملف اللبناني في هذا المجال ليس أكثر من نقطة في بحر الملف الذي عالجه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. لم يتحدَّث ولي العهد عن "تخصيص جائزة لمكافأة مَن يساعد في الكشف عن الجرائم المالية" بل إن مَن كلَّفهم إشتغلوا وتوصلوا إلى النتائج .
***
الشعب اللبناني الأصيل صاحب كرامة ولا يستعطي، وكل ما يريده هو إسترداد أموالِهِ المنهوبة وبالتالي يستعيد حقوقِهِ الضائعة التائهة في مغاور الهدر وفاسدي الفساد.