بعد أن ساءت أحوال لبنان الاقتصادية، لم يعد بالإمكان ولوج باب أيّ حل بمعزل عن طلب المساعدات الخارجيّة، وحتى اللحظة لا تزال الحكومة ترفض طلب المساعدة من البنك الدولي، لما لذلك من معانٍ وتأثيرات ونتائج لن يسلم منها أحدا، ولكنها بالمقابل تطلب مساعدة "الدول الصديقة" للبنان، وتحديدا دول الخليج العربي، وهذا ما يعوّل عليه رئيس الحكومة.
لا شكّ أن مواقف لبنان الرسمية التي أطلقها وزير الخارجية ناصيف حتّي في القاهرة تعبّر عن مسار حكومة حسان دياب، التي للمناسبة لن تكون مختلفة عن مسار الحكومة السابقة، ما يجعل القرارات المهمّة على صعيد السياسة الخارجية خاضعة لتوازنات يُدركها جيدا فريق 8 آذار الذي شكّل حكومة الاختصاصيين الحالية الى جانب التيار الوطني الحر.
تشير مصادر سياسية مطلعة الى أن "لبنان" سيمارس في الفترة المقبلة سياسة "النأي بالنفس" بكل تفاصيلها، وستكون الممارسة هذه المرّة مختلفة عن كل المرّات السابقة، لأنّ الوضع الداخلي لا يُحتمل، والوضع الاقتصادي لا يُطاق، ولا يوجد أمام لبنان سوى خيار مراعاة وإرضاء الدول العربيّة والخليجيّة، على أمل تقديم المساعدة.
يؤسفنا أن نصل الى هذه المرحلة الصعبة من تاريخ لبنان، تقول المصادر، موضحة الى أن كل التوقعات التي كانت تشير الى أن الحكومة الحالية ستفتح الباب أمام عودة علاقات لبنان وسوريا الى سابق عهدها، سقطت، وبالتالي لن يتمكن البلد من الاستفادة من هذه العلاقة قبل عودة الدول العربيّة والخليجيّة الى دمشق، على غرار ما قامت به دولة الإمارات العربية المتحدة، وبدل أن تكون بيروت أول العائدين لما لهذه العودة من فائدة اقتصادية لنا، سنكون آخر العائدين.
ترى المصادر أنّ ملف النازحين السوريين سيبقى على حاله مع الحكومة الحالية بانتظار تسوية كبرى، ولكن المشكلة الاقتصاديّة التي كانت تحتاج الى إعادة العلاقات الرسميّة هي في الصادرات اللبنانيّة، التي تخسر الكثير من الوقت والمال جرّاء الضريبة المرتفعة التي تفرضها الحكومة السوريّة على الشاحنات اللبنانيّة.
تكشف المصادر أن وزير الزراعة السابق حسن اللقيس زار دمشق مرارا لأجل هذا الملف بالتحديد، وكانت النتيجة أن الحكومة السوريّة التي سهّلت أمور اللبنانيين، لن تتمكن من فعل المزيد ما لم تطلب الحكومة اللبنانيّة منها وبشكل رسمي خفض الضريبة، مشيرة الى أن نظيرتها السورية أبلغت اللقيس يومها، بعد مرور فترة على تشكيل لجنة لبنانية-سورية لحلّ هذه المشكلة، أنّ الازمة ليست اقتصاديّة، ولا زراعيّة، بل سياسيّة، وأنها لا تمانع تخفيف الضرائب، وهي فعلت ذلك مع الأردن عبر مشاورات رسميّة، ولكنها لن تقوم بذلك مع لبنان اذا لم يتم التعاطي مع الامر بشكل رسمي".
هذه الخطوة الرسميّة من الحكومة اللبنانيّة باتجاه السورية يبدو بحسب المصادر أنها لن تحصل قريبا، الا اذا سمحت بذلك الدول العربيّة التي ينتظر لبنان المساعدات منها، وبالتالي فإن الصادرات اللبنانية سوف تعاني المزيد، وملفّ النازحين سيشتدّ سوءا، بانتظار مواقف دول عربيّة قد لا تكون مستعجلة على المصالحة مع سوريا.