لفت رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط، إلى أنّ "لبنان يقع اليوم بين العقوبات والضغوط، من جهة هناك الولايات المتحدة الأميركية ومن جهة ثانية هناك ردّة فعل إيران وحلفائها، ووسطهما الحراك"، موضحًا أنّ "الحراك رافض للواقع والفساد والحكومة والنظام، وهو على حقّ، ولكنّه لم يصل بعد إلى كيفيّة الوصول إلى تغيير النظام، والطريق الوحيد لتغييره يكون عبر نظام انتخابي حديث خارج القيد الطائفي وعلى أساس لبنان دائرة انتخابيّة واحدة. ولتخفيف مخاوف الملل المتعدّدة والطوائف، يمكن إنشاء مجلس شيوخ".
وركّز في حديث إلى صحيفة "الشرق الأوسط"، على أنّ "ردّة فعل بعض المواطنين ضدّ المصارف لم تكن عفوية"، من دون أن ينكر وجع الناس من احتجاز أموالها في هذه المصارف"، منوّهًا إلى أنّ "ردّة الفعل كانت مسيّرة، وبعضها كان عفويًّا، ونحن ننتظر الإجراءات الّتي قال حاكم "مصرف لبنان" رياض سلامة إنّه سيتّخذها لتسهيل خدمة الناس. بعض المصارف، وبعض الموظفين داخلها يتصرّف بشكل أرعن تجاه المودع الّذي لا علاقة له بهذا الصراع الأميركي- الإيراني".
وذكّر جنبلاط بأنّ "الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله قال إنّ ماله وسلاحه من إيران وحتّى إذا وصلت الدولة اللبنانية إلى حال إفلاس، فيستطيع ويملك الإمكانات الكافية من أجل ضمان جماعة الحزب. وفي كلامه بعض المبالغة، لأنّ الانهيار سيطال الجميع. لا بدّ من جرأة وعلى هذه الحكومة أيًّا كانت توصيفاتها أن تتّخذ إجراءات حاسمة خاصّة في ما يتعلّق بإصلاح قطاع الكهرباء الّذي يشكّل 40 في المئة من العجز". وأكّد أنّ "كلّ هذا لا يمكن تحقيقه أو تحقيق قسم منه إلّا من خلال قضاء مستقل".
وتساءل "هل يمكن في ظلّ هذه الطبقة السياسيّة وهذا النظام السياسي المنحاز وهذه الحكومة شبه اللون الواحد، أن تأتي بقضاء مستقل؟"، مشيرًا إلى أنّ "قسمًا من المطالب محقّ وقسمًا منه معقّد، مثل موضوع محاسبة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة. ما يمكن استعادته منها هي الأملاك البحرية عبر تغريم المعتدين عليها وإدانتهم قضائيًّا، ولا بدّ من اعتماد الضريبة التصاعديّة".
في موضوع الخروج من الحكومة، أفاد بـ"أنّني طالبت رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في بداية الحراك بالاستقالة وكانت لديه معطيات مختلفة. تضامنّا معه وخرجنا سويًّا ونحن اليوم أكثر حريّة. صحيح أنّ ضررًا كبيرًا لحق بنا جرّاء خروجنا المتأخّر من الحكومة، وشريحة من الحزبيّين وغير الحزبيين لم تفهم قراري بعدم الخروج بعد 17 تشرين، وأتحمّل مسؤوليّة القرار". ولفت إلى "أنّه لا يعتقد أنّه يمكن التعاون مع العهد، بخاصّة أنّ لون هذا العهد فاقع في الثأر".طاع الكهرباء
كما أوضح جنبلاط أنّ "قبل الحراك، رأينا ما حدث معنا في الجبل في البساتين وقبر شمون وكيف استطعنا أن ننجو بأعجوبة. هناك ضغوطات محليّة وغير محليّة ساعدت، وربّما أدراك الرئيس عون في لحظة معيّنة بأنّ سياسة صهره مدمّرة، لكن هذه ومضة إدراك في ظلّ تراكم سياسي. وهذه الحكومة وكأنّنا أمام حكومة تعود بنا ببعض رموزها ووزرائها الّذين جاءوا من بعض رموز النظام الأمني الّذي كان سائدًا عام 2005، النظام الأمني السوري المشترك، كي نكون أكثر وضوحًا".
وفي ما خصّ البيان الوزاري، شدّد على أنّه "ليس المطلوب بيان وزاري يكون إنشائيًّا يتضمّن عبارة "سنقوم وسنقوم"، بل المطلوب خاصّة لوقف التدهور ووضع سكّة العهد على خطى مقبولة، خطوات إصلاحيّة جديّة بدءًا من قطاع الكهرباء". وذكر أنّ "هذا كان المطلب الدولي وبالتحديد الفرنسي في خطّة "سيدر". أتتنا فرص ذهبيّة، فالكويتيّون عرضوا منذ سنوات من خلال "صندوق التنمية الكويتي" بناء معامل كهرباء والإشراف على التنفيذ ورفضنا، من ثمّ أتت شركة "سيمنز" ورفضنا، وأتى على ما أعتقد عرض فرنسي ورفضناه، فقط لأنّ سمة الّذين يتحكّمون بمفاصل وزارة الطاقة والمياه هي عدم الجديّة والانتهازيّة؛ فهؤلاء يفضّلون البقاء على توليد الكهرباء من خلال السفن الّتي أعتقد أنّها أصبحت مولدات إضافيّة لأصحاب وزارة الطاقة أو الّذين يتولّون شؤون وزارة الطاقة".
ورأى أنّ "وزارة الطاقة اليوم هي عبارة عن وزير ومدير عام من دون مجلس إدارة، فقد تمّ رفض كلّ محاولات الحريري بإقامة الهيئة الناظمة ومجلس إدارة. لا يريدون رقابة على أنفسهم لأنّهم يتصرّفون بكلّ حريّة"، معتبرًا أنّ "في ملف الكهرباء، يمكن الحديث عن فساد كبير". وبيّن أنّ "الحملة المفتوحة على السياسيّين ليست شاملة بل انتقائيّة، لا أسمع بحملة كافية على العهد بل الحملة موجّهة على الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري وجنبلاط. الحراك الأوّل سمّى رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، واليوم لا أرى هذا الأمر، من ثمّ كيف يتمّ الإصلاح بوجود هذا العهد؟ هذا سؤال أساسي".
وعمّا إذا كانت مشكلته مع العهد أو مع رئيس الجمهورية، فسّر أنّ "الحريري ظنّ أنه قد يستطيع أن يحيّد الرئيس عون ويتعاطى معه لكنّه فشل مع الأسف، فهناك فريق عمل إلى جانب الرئيس مخيف. ليس المهم أن ندخل في التسميات لكن هناك الفتاوى القضائيّة والسياسيّة من فريق العمل المتعدّد والمتنوع، والرئيس يستجيب لهذه الفتاوى". وحول ما إذا كانت الطريق مقفلة في ظلّ وجود هذا العهد، نوّه إلى أنّه "لا تزال هناك 3 سنوات، حاول الحريري دبلوماسيًّا وفشل، وسنرى ماذا تبشر هذه الحكومة الجديدة"، شارحًا "أنّنا مررنا بفترات محاربة العهود، إميل لحود حاربناه، انقسمت بيروت وانقسمت الساحات وأتى 7 أيار لكن الوضع الاقتصادي كان مقبولًا. أمّا اليوم فالوضع مختلف، لذلك نتحرّك كالسائر على حبل".
وركّز جنبلاط على أنّ "من باب معرفتي بالعهد ورموزه سابقًا وحاليًّا وبالوضع الاقتصادي، أركّز على الوضع الاقتصادي وكيف نستطيع أن نخرج من هذه الأزمة، آخذين بالاعتبار أنّ ما من أحد سيأتي لينقذنا، آخذين بالاعتبار أيضًا أنّ رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري لم يعد موجودًا وأنّ جهود "باريس 1" و"باريس 2" و"باريس 3" أعطت ثمارها، فكان يأتي الحريري بودائع أعطت ثمارها بالسياسة للتعويض عن الخسائر الداخلية، لكن حتّى في تلك اللحظة لم تكن هناك خطوات جديّة لإقامة اقتصاد لبناني منتج بكلّ أسف".
إلى ذلك، وصف جنبلاط الحكومة بـ"المفخّخة، ولكن فيها عناصر إيجابيّة. أنا أعطيتها وقتًا ولكن في الوقت نفسه أنا في المعارضة، لا نعطي الثقة ولكن نحضر الجلسة. وقلت وطلبت أن يستقبل رئيس الوزراء، وأعلم أنّ هناك حظرًا سياسيًّا عليه، لكن على الأقل محاولة". وعن الجهات المعارضة الأُخرى، أكّد "أنّني أعارض وحدي وعلى طريقتي، الحزب يعارض على طريقته ولن نعود لأحلاف قديمة كي لا ينغش البعض، لن نعود إلى "14 آذار"، فظروف "14 آذار" شيء وظروف اليوم شيء آخر. لقد اتّفقنا على التنسيق مع "تيار المستقبل"، ومع الآخرين لكلّ حادث حديث، حاليًّا لا يوجد شيء".
وفي تعليقه على حديث صحافي لرئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع، أشار إلى أنّ "الحزب التقدمي الإشتراكي" و"تيار المستقبل" و"حزب الكتائب اللبنانية" يفضّلون التعاطي مع "القوات اللبنانية" على طريقة "نحب بعضنا من بعيد لبعيد" دون تنسيق مباشر". ووجد أنّ "هذا الكلام غير دقيق لأنّنا نسّقنا سويًّا، اتّصل بي جعجع بعد بداية الحراك، وكان هناك تواصل بشكل يومي معه أو مع النائبة ستريدا جعجع، وكان يلحّ بأن أطلب من سعد الحريري أن يستقيل، لكن جوابي كان دائمًا وبصيَغ مختلفة دبلوماسيًّا بأنّني لن أطلب منه هذا الشيء، لأنّ وقفتي الأولى كانت التضامن مع الحريري وبقيت حتّى آخر لحظة متضامنًا معه".
وفي ما إذا كان يواجه منفردًا، شدّد على أنّ "في الوقت الحالي، أنا أواجه وبالقدرة الموجودة لدي منفردًا نعم"، لافتًا إلى أنّه "إذا خرج صوت التغيير من وليد جنبلاط نعود إلى 2005 عندما طالبت بالتغيير في عهد إميل لحود، ماذا حدث؟ حتّى رحمة الله عليه البطريرك السابق مار نصر الله بطرس صفير والنائب السابق بطرس حرب آنذاك عارضا، وأعتقد بهيج طبارة عارض أيضًا، جميعهم عارضوا؛ وهذا من المحرمات بكلّ أسف". وعمّا يمكن القيام به في ظلّ هذا الواقع، أكّد أنّه "لا يمكننا أن نفعل شيئًا لسبب بسيط، وهو غياب كيان عربي موحّد وتنسيق عربي، ولا جامعة عربية، وغزو العراق سمح للجمهورية الإسلامية بالامتداد والنظام السوري بتركيبته الفئوية والمذهبية سهّل كثيرًا للجمهورية الإسلامية بالوصول إلى لبنان".
كما نوّه إلى أنّه "كم كلّفت تلك الحرب من مليارات العرب، ظنّ العرب أنّ الرئيس العراقي الراحل صدام حسين هو خالد بن الوليد، انهزم من ثمّ أتت الولايات المتحدة الأميركية تحت حجّة سخيفة أنّه يملك صواريخ تدمّر العالم ولم يكن لديه شيء. منذ تلك اللحظة عام 2003 تغيّر كلّ الهلال الخصيب هلال أنطون سعادة، ووصلنا إلى ما وصلنا إليه، هذه المرة الرابعة أو الخامسة في التاريخ الّتي تصل فيها "فارس"، أفضل كلمة فارس الّتي هي اليوم الجمهورية الإسلامية، إلى حدود البحر الأبيض المتوسط".
وعن الدور الروسي في لبنان، رأى أنّ "هذا الدور لم يتقدّم"، معتبرًا أنّ "على الروس التقدّم عمليًّا في لبنان". وذكر "أنّني شكّلت في الماضي لجنة، لكنّها كانت على الأقل لجنة رسميّة بين الدولة اللبنانية والدولة الروسية حول إعادة اللاجئين، والسؤال إلى أين سيعودون؟ إلى أي سوريا؟ فهل يستطيعون العودة إلى القصير وحمص ومحيط الشام؟". ولفت إلى أنّه "إذا كان لا بدّ من خطوات ملموسة من روسيا، فهي استئجار قسم من مصفاة طرابلس"، موضحًا أنّ "من الخطأ استخدام كلمة مصفاة، لأن ليس هناك مصفاة بل مصفاة مدمّرة لم يبق منها شيء، واستأجرها أحد رجال الأعمال اللبنانيين الّذي يخصّ روسيا والّذي نال وسام استحقاق من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ شهر".
وفي هذا الإطار، وجد جنبلاط أنّه "يجب على الروس إصلاح تلك المصفاة وإبعاد رجال الأعمال، وأهلًا وسهلًا بأن يستفيد لبنان من مصفاة جديدة عبر عقد جديد بين الدولة اللبنانية والدولة الروسية، ونستطيع أن نجلب النفط الّذي كان يأتي إلى تلك المصفاة من كركوك عبر سوريا، وبوتين يعطي أمرًا للرئيس السوري بشار الأسد و"بيمشي الحال"، أو نفط أو غاز من روسيا، هذا هو الغاز الروسي وصل عبر تركيا إلى البحر الأبيض بعيدا عن التجارة". كما كشف عن أنّه "سبق وفي إحدى المناسبات على العشاء، أن طلب من السفير الروسي وديعة روسية واليوم وضع الاقتصاد الروسي مقبول، والودائع النقدية لديها من الذهب والدولار وغيره كبيرة جدًّا. فليعطونا وديعة مشروطة بإصلاح".
وفي ما خصّ صفقة القرن، أفاد بأنّه "ليس هناك أي خطر على لبنان، فالخطر فقط هو بروز أصوات معهودة ومعروفة ومتعصّبة تتحدّث عن موضوع التوطين، الّتي سمعناها منذ 50 عاما وأكثر"، مفصّلًا أنّه "ليس هناك الحجم الكبير الفلسطيني الكبير في لبنان، الّذي يُقال عنهم 500 ألف، أعتقد أنّ "الأونروا" أعطت رقمًا ما بين الـ170 ألفًا و180 ألفًا، لأنّ من يستطيع من هذا الشعب المنكوب أن يهاجر سيهاجر. كانت عنصريّة ضدّ الفلسطيني وأصبحت ضدّ السوري، وأعتقد أنّ أميركا أوقفت تمويل "الأونروا"، واللاجئون في لبنان وفي سوريا في الضفة وغزة سيعانون أكثر".
إلى ذلك، أكّد "أنّه مع إعطاء اللاجئ الفلسطيني في لبنان حقوقه"، مذكّرًا بأنّ "كمال جنبلاط وفي العام 1959، أهدى "الأونروا" أرضًا مساحتها 60 ألف متر مربع في سبلين لإقامة مدرسة مهنيّة لا تزال موجودة، وأنّه هو أعطى للمؤسسات مساحة 10000 متر مربع قرب
"الأونروا" للفلسطينيين لأنهم في عين الحلوة لم يعد لديهم مكان لدفن أمواتهم". وبيّن أنّ "حينها، أخبرني سفير "الأونروا" في لبنان عن المأساة فكانت المبادرة منّي أقل واجب، كانوا يدفنون أمواتهم على الأسطح في عين الحلوة الّتي مساحتها الفعلية كيلومتر مربع، إلّا أنّ الّذين يعيشون في القصور لن يروا ذلك".