ليس البيان الحكومي ما ينتظره اللبنانيون ليخرجوا من حالة القلق والغضب. وبعد ليست المهل التي يقترحها لتهدئة البال واجتراح الحلول. فالكل يعرف أن مفاتيح الأمور هي في يد الخارج الدولي، وتحديدا الأميركي ذلك أن الدورة الإقتصادية في البلد تنهار ونسبة البطالة قاربت الستين بالمئة. ولا استقرار نسبي إلا بالمساعدات الخارجية. ولا مساعدات من دون أثمان باهظة. ولا ثقة من دون اطمئنان المودعين إلى أن ودائعهم لا تذهب إلى غير مكان.
الأزمة أعمق من أن يعالجها بيان حكومي. وهذا ما يعرفه جيدا رئيس الحكومة حسان دياب، الذي في البيان وخارجه يبعث رسائل إلى الخارج الخليجي والغربي بأنه يريد الإصلاح ومواجهة الفساد، وأنه يلتزم بأن حكومته بعيدة عن التجاذبات السياسية كما أنه حريص على سياسة النأي بالنفس والإبتعاد عن المحاور الإقليميّة على اختلافها، كما على الإلتزام بالمطالب التي يطرحها الحراك الشعبي، وعلى عدم التعرض للمتظاهرين طالما يلتزمون بدورهم بالتحرك السلمي. لكن رغم الإجتماعات الجدّية التي يقوم بها رئيس الحكومة حسان دياب فإن ’’الخارج الخليجي‘‘ لم يعطه إلى الآن الشعور بالأمان، ما يجعل ’’الداخل السني اللبناني‘‘ متأرجحا وفي حالة انتظار رغم حرص دياب على حماية المواقع السنية في السلطة، وعلى مد الجسور إلى من هم محسوبين على رئيس الحكومة السابق سعد الحريري.
أداء دياب مميّز في فترة لا ترحم أحدا، وخصوصا في مجالين اثنين: الوضع الاقتصادي-المالي-النقدي والوضع الأمني. وإلى الآن نجح وزير الداخلية العميد محمد فهمي في إرساء صورة مستقرة للوضع الأمني، وهذا أمر طبيعي في فترة السماح الممنوحة للحكومة من الخارج الأميركي. غير أن التحكّم بالوضع الأمني يفترض معالجات سريعة للوضع الاقتصادي-المالي-النقدي. وهي معالجات لا توفّرها المصارف، ولا الإجراءات الموجعة المرتبطة بصرف الدولار، ولا بتعدد الجهات الموكلة بالأمر من حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة إلى لجنة الرقابة على المصارف إلى جمعية المصارف إلى وزير المالية الدكتور غازي وزني...
واستطرادا يبدو البيان الحكومي متردّدا في أمرين: الأول هو خيار الخصخصة الذي يسانده الخارج الدولي تحت عنوان التعاون بين القطاعين العام والخاص، والذي يلقى اعتراضات من البعض في ’’الداخل اللبناني‘‘ لأسباب متعددة. والثاني هو خيار ’’الإنتخابات المبكرة‘‘ الذي يسانده ’’الخارج الدولي‘‘ والحراك الشعبي وتعترض عليه قوى أساسية في السلطة ومشاركة في الحكومة. وهو اعتراض يعيق حركة رئيس الحكومة في موضوع ’’الحياد عن التجاذبات السياسية‘‘. وهذا يعني أنّ محاولات حسان دياب التوفيق بين شرعية مجلس النواب وشرعية الحراك الشعبي لا زالت بعيدة. فالتجاذب الفعلي هو بين هاتين الشرعيتين، والّذي تحدّ منه فترة السماح الأميركية للحكومة، وجهد دياب في ’’توليف‘‘ الأمور وتأجيل الحسم فيها إلى الوقت المناسب، أي إعطاء الوقت للوقت وهذا أمر صعب جدا.
حتما تأخذ الحكومة الثقة في البرلمان. فلا اعتراض لدى واشنطن على ما اتفق على تسميته بـ’’حكومة اللون الواحد‘‘، ذلك أن الإدارة الأميركية تعرف قبل غيرها أن اللون الأميركي حاضر بقوة في هذه الحكومة، وهذا أمر لا يكفي أميركيا، ذلك أن المرغوب هو أن تفي الحكومة بما هو مطلوب منها من واشنطن، وهي تعرفه كما يعرفه الشركاء في السلطة وخارجها على اختلاف ألوانهم وتوجهاتهم. ولا حاجة لإعادة التذكير بالمطالب الأميركية: النفط والغاز والكهرباء وترسيم الحدود البرّية والبحريّة وأمن اسرائيل.
أيا يكن الأمر فترة السماح الأميركيّة الممنوحة والمشروطة للحكومة هي مرفقة بأمر مشابه من فريق 14 آذار، فلا هو يؤيد ولا هو يعارض بالمعنى الحقيقي. وهذا بدوره ينعكس على الهامش المتاح للحراك الشعبي. بكلام آخر، الظروف المحيطة بوضع الحكومة الحاليّة يلزمها بإنجازات سريعة في الأمور الحياتيّة الضاغطة والمباشرة، وأن تستفيد من هامش التعارضات بين أطراف الطبقة السياسية، ومن الإنشغالات الحادة في المنطقة، ومن ارتباك القوى الاقليمية الأساسية الثلاث: تركيا وايران وإسرائيل، وأيضا من التنافس المستمر التركي-السعودي والإيراني-السعودي، ومحاولة واشنطن محاصرة النفوذين الايراني والتركي على السواء.
أخيرا هل ترتاح الطبقة السياسية لشخص حسان دياب؟ في العمق لا. غير أنها مضطرّة للتعايش الصعب معه مثلها مثل الحراك الشعبي الملزم بالإنتظار مئة يوم على عمر الحكومة أيا كانت حركته في الشارع. واستطرادا بدورها الممارسة الإعلاميّة ستكون متأرجحة. والأهم معرفة كيف سيتعاطى دياب مع الموقف الإعلامي إيجابا وسلبا.