يبدو أن الحراك الشعبي نجح في كسر الكثير من المحرّمات، لا سيما بين القوى السياسية المشاركة فيه، ما دفع بعضها للإنطلاق إلى مرحلة الحوارات المفتوحة، بالرغم من التباعد التاريخي في الأفكار والتوجهات، وهو ما يفسر الإعلان مؤخراً عن لقاء جمع كل من "الحزب الشيوعي اللبناني" و"حزب الكتائب"، الذي أثار حوله الكثير من علامات الإستفهام، لا سيما بالنسبة إلى الأول الذي وجهت له مجموعة واسعة من الإنتقادات.
هذا الواقع، يعود إلى تصنيف "الشيوعي" تاريخياً على أنه في أقصى اليسار، في الوقت الذي يصنّف فيه "الكتائب" في أقصى اليمين، وبالتالي لا يمكن أن يمرّ أي لقاء بين الجانبين، مرور الكرام، خصوصاً في مرحلة تبدو مصيرية في البلاد، ومع اعتبار أن "الكتائب" من أبرز أفرقاء قوى الرابع عشر من آذار، بينما "الشيوعي" كان يحسب على قوى الثامن من آذار.
في هذا السياق، يؤكد عضو المكتب السياسي في حزب "الكتائب" سيرج داغر، في حديث لـ"النشرة"، أن "هذا اللقاء ليس الأول من نوعه بين الحزبين، حيث حصل أكثر منه منذ ما قبل "الثورة"، لكن هذه المرة تم الإعلان عنه عبر وسائل الإعلام"، ويشير إلى أن "الكتائب" ليس مع القطيعة مع أحد، وإلى أن هناك تواصلاً مع جميع الأحزاب والمجتمع المدني، لكنه لا ينفي أن "الثورة ساهمت بكسر الكثير من الحواجز"، ويضيف: "نحن والشيوعي موجودين وفاعلين في "الثورة"، ونحمل الهموم الإقتصادية والإجتماعية".
بدوره، يوضح عضو المكتب السياسي في "الشيوعي" عمر ديب، في حديث لـ"النشرة"، أن هذا اللقاء هو الثالث بين الحزبين، ويضعه في سياق الحوار السياسي لعدم وجود تحالف بينهما، إلا أنه يشدد على أن "الشيوعي" ليس جزءاً من المحاور الموجودة في البلاد بسبب الخلافات وطبيعة كل حزب ومبادئه، ويشير إلى أنّه منفتح على الحوار والنقاش وكان له في السنوات الثلاث السابقة لقاءات مع معظم الأحزاب اللبنانية.
وفي حين يستغرب ردّات الفعل التي حصلت على اللقاء، يعتبر ديب أن السبب ربما يعود إلى التوقيت، أيّ في مرحلة الإنتفاضة الشعبيّة، حيث يتابع المواطنون كل تفصيل، إلا أنّه يلفت إلى أنّ التعليقات متنوّعة جداً، ويؤكد أنّ الحزب ليس لديه أي مشكلة في النقد السياسي لكن لا يوافق على منطق التخوين، بالرغم من إداركه لوجود حالة إنزعاج لدى العديد من القوى، على ضفّتي الصراع في البلد، من أدائه، لا سيما لناحية موقفه الحاسم بالوقوف إلى جانب المواطنين ومطالبهم، ويضيف: "نحن في المعارضة منذ 30 عاماً، ويبدو أن العديد من قوى السلطة لديها بعض الحقد، وعند كل خطوة نسمع هذا النوع من التخوين، الذي حصل لدى إدانة عملية الإغتيال في العراق، واليوم بسبب الإجتماع مع الكتائب".
وفي الوقت الذي ينتقد داغر طريقة تفكير السلطة "التي لا تفكر بالإقتصاد بل بالمال فقط"، يرى أن "من الضروري أن تقدم القوى والمجموعات الموجودة في "الثورة" البديل، الأمر الذي يتطلب الحوار في ما بينها، لا سيما أن المنظومة الحاكمة باتت بحكم الساقطة"، ويشدد على أن "لبنان اليوم على مفترق طريق ولا يمكن العيش في أحقاد الماضي"، لافتاً إلى أن "هذا لا يعني النسيان بل التفكير في المستقبل"، ويرى أن "الكتائب"، رغم تصنيفه خلال مرحلة الحرب بأنه من الأحزاب اليمينية، هو في الشأن الإجتماعي، أقرب إلى اليسار، وبالتالي هناك نقاط إلتقاء وإختلاف مع "الشيوعي"، ويضيف: "اللقاءات بين الحزبين قديمة، وقد حصلت سابقاً بين أمين الجميل وجورج حاوي، الذي لا يجب أن ننسى الموقع الذي كان فيه قبل إستشهاده".
من جانبه، يلفت ديب إلى أن الحزب في جميع اللقاءات التي يعقدها يبحث في النقاط التي يتقارب بها مع الفريق الآخر والنقاط الخلافية أيضاً، ويشير إلى أنه يدرك جيداً الخلاف مع "الكتائب" حول الكثير من القضايا، بالإضافة إلى وجود ماض يتضمن جراحا كبيرة، لكنه يرى أن هذا لا يمنع وجود بعض النقاط التي يمكن الحديث حولها، من النظرة إلى قانون الإنتخاب وضرورة وجود قانون مدني للأحوال الشخصيّة، وصولاً إلى الحلول اللازمة للأزمة الإقتصاديّة والنظام الضريبي.
أما بالنسبة إلى علاقة ذلك بالإنتفاضة الشعبيّة، يشير ديب إلى وجود إجتماعات ولقاءات تحصل مع القوى الموجودة، من نقابات وكتل سياسية وبعض الأحزاب والهيئات، لكنه يوضح أن "الكتائب" لم يكن جزءاً منها بالرغم من أنه يشارك في الإنتفاضة من موقعه دون أن يكون من القوى التي تنسق في ما بينها، ويلفت إلى أن "الشيوعي" يتعامل مع الملفات بالمفرق، وبالتالي موقفه يكون حسب القضية التي تكون مطروحة، وبالتالي هو قد يتفق مع فريق حول عنوان معين ويختلف معه على آخر، ويضيف: "نحن كجزء من القوى التي تؤمن بالمقاومة لكن لسنا جزءاً من قوى الثامن من آذار".
في المحصلة، لدى الحزبين قناعة بأن اللقاء الأخير هو جزء من سياسة الإنفتاح والحوار على الساحة المحلية، وبالتالي لا يجب تحميله أكثر مما يحتمل، إلا أن ذلك لا يلغي الضجة التي أثارها في الساعات الماضية، نظراً إلى الموقع التاريخي لكل منهما.