اعتبر الخبير الاقتصادي شربل قرداحي، أن لبنان لديه نقص كبير بالثروة الوطنية من العملات الصعبة، فالدولارات الموجودة انحسرت إلى حد كبير واحتياطي البنك المركزي انخفض إلى مستويات متدنية، إضافة إلى ان المصارف لديها أزمة سيولة ناجمة عن ان ودائعها موجودة بالبنك المركزي الذي لم يعد يمتلك سيولة كافية لتزويد المصارف بها عند الحاجة.
ولفت قرداحي في حديث لجريدة القبس الكويتية، أن "هذا المسار أوصل الحكومة إلى طرح مسألة الخيارات، وبالتالي كيفية استخدام ما تبقى من ثروة وطنية بالعملات النقدية؟ ويرى قرداحي ان الرأي الأول يدعو إلى الاحتفاظ بهذه العملة لتسديد ثمن استيراد المواد الأولية الأساسية كالنفط والأدوية والقمح. وهناك رأي ثان يميل إلى تسديد لبنان مستحقاته من الديون. لأن لبنان لم يتخلف مرة عن السداد، وتجنبا لإثارة المشاكل مع صناديق التحوط التي قد تلجأ إلى رفع دعاوى على لبنان وحجز الموجودات الخارجية العائدة للمصارف أو للدولة اللبنانية".
ويوضح قرداحي أن "الرأي الغالب قبل شهر كان لتسديد الديون والسبب أن معظم من يحمل سندات اليوروبوند هي مؤسسات مالية لبنانية وبالتالي فإن تسديدها سيبقي الدولارات ضمن النظام المصرفي الوطني، مع تسرب جزء قليل منها إلى الخارج. لكن ما أقدمت عليه المصارف خلال الأسبوعين الفائتين من عمليات مضاربة على أسعار السندات جعله يغير رأيه، فالمصارف التي تحمل هذه السندات قامت ببيعها لمؤسسات اجنبية وبالتالي اصبح تسديد قيمتها المستحقة يعني خروج الدولارات إلى الخارج".
ولفت إلى أن تبعات التخلف هي "ان الفريق الذي يدعو إلى عدم التسديد لا يقصد ان تتخلف الدولة عن الدفع، وانما يدعو إلى "موراتوريم" والدخول في التفاوض مع الدائنين على آجال طويلة وفوائد جديدة وعلى طريقة دفع أخرى. والاهم ابلاغهم بأن هذا الإجراء مؤقت ريثما تنجز الحكومة خطة الإصلاح المالي، لان لبنان قد يحتاج في مرحلة لاحقة إلى هؤلاء الدائنين".
واعتبر قرداحي أن "لبنان في حال تمكن من تسديد استحقاق مارس فإنه سيكون عاجزاً عن تسديد استحقاقات نيسان وحزيران". وعن سبب اقدام المصارف على بيع سندات اليوربوند للخارج، وهل هو أمر مشروع في ظل الأزمة المالية الحادة، يشير قرداحي الى أن "قسما من هذه المصارف كان بحاجة للسيولة وقد توفر لهم مشترون، ففي ظروف طبيعية يعتبر هذا الأمر مشروعاً مئة في المئة. ولكن رغم وجود أسباب مبررة، فإن مجرد انتقال الحصة الأكبر من هذه السندات، وهي أكثر من النصف إلى مستثمرين أجانب، يعني انه لم يعد بإمكاننا القول ان 200 أو 300 مليون دولار ستخرج عن الاقتصاد الوطني بل مبالغ أكبر بكثير وهذا ما يثير مخاوف الفريق الذي يدعو إلى الموراتوريم".
وخلص المحلل الإقتصادي إلى أن الوضع الاقتصادي والمالي فائق الصعوبة و"نحن لا نتحدث عن سنة أو سنتين، بل عن مرحلة ستمتد لسنوات قد تصل إلى خمس، والإصلاح رهن بخطة الإنقاذ المالي التي ستعدها الحكومة، فإذا كانت قوية ومقنعة وجريئة، وإذا واكبها اللبنانيون واحتضنتها القوى الساسية ربما يمكننا الخروج من الأزمة".
في المقابل، في حال قدمت الحكومة خطة غير مكتملة، وإذا أصر اللبنانيون على الإكمال بامتيازاتهم التي حصلّوها عبر الزمن وهي غير محقة في جزء كبير منها، وأصروا على مقاومة الحكومة في الشارع، "سندخل في دوامة أكبر وتتدهور أوضاعنا بشكل دراماتيكي". وقد حصل هذا الأمر في عدة دول. الانقاذ رهن أيضا باصدقاء لبنان. إذا استطعنا اقناعهم بأننا حسمنا أمرنا وقررنا الانتقال من نموذج الاقتصاد الحر إلى نموذج آخر، قد يواكبونا بمساعدات تقنية أو حتى مالية.