من يتابع تفاصيل ملفّ الفساد في كازينو لبنان خلال عهد مديره العام السابق حميد كريدي، يعرف تماماً أن الأهم من مذكرة التوقيف الغيّابية التي أصدرها بحقّه الخميس الفائت، قاضي التحقيق في جبل لبنان نديم الناشف، هو ما تكشّف خلال التحقيقات من أرقام ومستندات تفضح كيف إرتدى من سمّاه الرئيس الأسبق ميشال سليمان بدلة "بابا نويل" ووزع ملايين الدولارات من المال العام كهدايا لمؤسسات إعلاميّة على اختلاف أنواعها ولإعلاميين وصحافيين وصحف ونافذين، كل ذلك خلافاً لكل القوانين المرعيّة الإجراء. وعلى هذا الصعيد تكشف المصادر المتابعة أن جلسة الأسبوع الفائت سبق أن خصصها القاضي الناشف، لمعرفة الطريقة التي صرفت الملايين المذكورة على أساسها، وقد إستمع الى إفادة المحامي وديع عقل وهو مقدّم الإخبارات والدعاوى بحق كريدي ومن يظهره التحقيق، بتوجيهات من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وبعدما سبق للقاضي الناشف أن إستمع الى إفادات أعضاء مجلس الإدارة السابقين وإلى المدير العام الحالي في الكازينو رولان خوري وآخرين بمثابة شهود، كان من المفترض أن يجري مقابلة بين عقل وكريدي في الجلسة الأخيرة. جلسة تأجّلت مرتين لعدم حضور كريدي بحجة وجوده خارج لبنان، وقد تعهدت في المرة السابقة وكيلته القانونية وهي محامية من مكتب الوزير السابق ناجي البستاني إبلاغه ضرورة الحضور لكنه لم يحضر، لذلك أصدر القاضي الناشف بحقه مذكّرة التوقيف الغيّابية.
" فعلى سبيل المثال لا الحصر، من بين الفضائح التي كشفتها التحقيقات"، يقول عقل لـ"النشرة"، " لقد صرف كريدي ملايين الدولارات خلال ولايته على الجمعيات والأندية والإعلاميين ومؤسساتهم، مبرراً ذلك بأنها دفعت كبدل دعايات لإستعراضات فنيّة نظمّتها إدارة الكازينو كون القانون يمنع على الكازينو بثّ دعايات تسوّق لألعاب القمار، لكن المخالفة تكمن في أن قانون القمار يمنح الدولة اللبنانيّة حقّ التصرف بهذه الأموال لتنمية الأرياف ودعم المؤسسات السّياحية، لا لشركة كازينو لبنان التي ينحصر دورها في الإدارة فقط".
في الملفّ أيضاً مستندات تؤكد مثلاً تلقّي إعلاميّة تحاضر بمكافحة الفساد مبلغ ٨٥٠٠٠ دولار كدعم لخمس سنوات لمؤسّسة تديرها، كذلك حصلت صحيفة عريقة توقفت عن الصدور، على مبلغ ٥٠ ألف دولار سنوياً خلال عهد كريدي.
الهدايا التي وزّعها كريدي لم تقتصر فقط على الإعلاميين والصحافيين ومؤسساتهم، بل شملت أيضاً نافذين وسياسيين عبر جمعيات يسخّرونها لعملهم السياسي، وفي هذا السياق تكشف المصادر المتابعة إن إبنة مرجعيّةماليّة بارز حصلت من الكازينو على شيكين بقيمة ٣٠ ألف دولار.
في الشكل، وزّع كريدي أو "بابا نويل" الكازينو هداياه الماليّة السنوية كبدل إعلانات، ولكن في المضمون تبيّن ان الهدف منها، خدمات سياسية بحتة.
مذكّرة التوقيف صدرت، لكن كريدي لا يزال خارج لبنان، وإذا لم يعد وهو الأمر المرجّح بعدما أصبح ملاحقاً بتهم فساد، فهل يمكن أن يحجز القضاء على ممتلكاته في لبنان بهدف إستعادة الأموال المنهوبة في عهده؟.