تساءَل مرجع اقتصادي ومالي كبير في حديثه لصحيفة الجمهورية، بأنه "هل قررت الحكومة، لأسباب بعضها معلوم ولكن غير مفهوم أو مُبرّر، وبعضها غير معلوم، ولكنه موضع شبهة وتساؤل، أن تستخدم مال المودعين، ومال الفقراء لسداد استحقاق باتَ في غالبيته في أيدي مضاربين وصيّادي فرَص قدموا الى لبنان واشتروا سندات الدين بأسعار بخسة بغية تحقيق أرباح خيالية في فترة زمنية وجيزة؟".
ولفت هذا المرجع إلى انّ "هذا السؤال مطروح اليوم، بسبب ميل الحكومة نحو ترجيح كفّة دفع استحقاق سندات اليوروبوند في 9 آذار المقبل، وقيمتها نحو مليار و200 مليون دولار. ويبدو انّ هذا الاتجاه يدعمه حتى الآن طرفان أساسيان في الحكومة: رئيسها حسّان دياب من منطلق شخصي، إذ يعتبر انه لا يريد أن يُسجّل عليه انه بدأ ولايته الحكومية بقرار التخلّف عن الدفع، وتكون هذه المرة الاولى التي يتخلّف فيها لبنان عن دفع استحقاق دين. والطرف الثاني وزير المال غازي وزني، الذي يعتقد انّه من الافضل أن ندفع استحقاق آذار، ومن ثم نبدأ مفاوضات على إعادة هيكلة الدين العام".
ولفت المرجع الى انه "قبل فترة، كان هناك طرح آخر، يقضي بدفع الاستحقاق في موعده الى الاجانب الذين يحملون قسماً من سندات هذا الاصدار، على أن يُصار الى تأجيل دفع القسم الذي يحمله لبنانيون، وفي غالبيتهم من المصارف. لكنّ هذا الاقتراح فقدَ قيمته لسببين: أولاً، لأنّ مؤسسات التصنيف حذّرت من خطوة مماثلة وأعلنت انها ستعتبرها بمثابة تعثّر انتقائي، وثانياً لأنّ نسَب الحصص في ملكية هذا الاصدار انقلبت رأساً على عقب. إذ أقدم مضاربون أجانب على شراء قسم من هذه السندات بسعر تَراوح بين 70 و80 سنتاً للسند. وهناك مصارف باعت هذه السندات بسبب حاجتها الى السيولة. وبعد عمليات البيع أصبحت ملكية سندات إصدار آذار كالآتي: اللبنانيون يحملون ما قيمته 400 مليون دولار، والاجانب باتوا يحملون سندات بنحو 800 مليون دولار. بما يعني انّ ثلثي حجم الاصدار بات ملكاً لأجانب. كذلك أقدمَ المضاربون على شراء سندات استحقاق نيسان وحزيران 2020 بأسعار بخسة تراوحت بين 40 و50 سنتاً للسند، من دون أن تُعرف الكمية التي اشتراها هؤلاء".
ورأى المرجع نفسه أنّ "هذا الوضع صَعَّب مهمة الحكومة لجهة اعتماد خيار الدفع للاجانب وتأجيل الدفع للبنانيين. وصار النقاش محصوراً في أمرين: ندفع أو لا ندفع. لكن في عالم المال، لا وجود لمعادلة أبيض أو أسود فقط، هناك مساحة دائماً للون الرمادي، أي للحلول الوسط. واذا كانت الحكومة ترى انّ أضراراً كبيرة ستلحق بها سواء دفعت أو امتنعت عن الدفع، ففي مقدورها أن تذهب الى خيار ثالث يقضي باعتماد ما يُعرف بالـmoratorium".
وينصّ هذا الخيار بحسب الصحيفة، "على تجميد الدفع، وليس الامتناع أو التخلّف، والبدء في مفاوضات مع حملة الأسهم برعاية جهات دولية موثوقة، وبإشراف استشاريين اختصاصيين، للوصول الى اتفاق حول اعادة جدولة الدين. وللعلم، هذا الخيار تعتمده حالياً الارجنتين، وقد جَمّدت دفع مستحقات دين بقيمة 100 مليار دولار، وهي تفاوض المُقرضين على إعادة الجدولة. وبالتالي، تستطيع الحكومة اللبنانية اعتماد هذه الطريقة القانونية لتجميد دفع مستحقات إصدار آذار، من دون أن تكون قد تخلّفت عن الدفع، وتحمّلت تداعيات خطوة من هذا النوع".