ترمي ’’صفقة القرن‘‘ إلى تثبيت دولة اسرائيل في المنطقة والإجهاز على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ووضع حد لقرار مقاطعة اسرائيل وفتح أبواب التطبيع كليا معها.
وفي حسابات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ’’صفقة القرن‘‘ هي امتداد طبيعي للقرار الذي اتخذه بنقل السفارة الأميركية إلى القدس باعتبارها عاصمة لدولة اسرائيل.
وواقع الأمر ما كان من الممكن للإدارة الأميركية أن تمضي بقرار نقل السفارة والمبادرة إلى صفقة القرن لولا الخلافات العربية-العربية وتوتر العلاقات الخليجية مع ايران والتنافس السعودي-التركي والسعودي-المصري وما يُسمى خطأ بـ’’الربيع العربي‘‘ الذي كان هدفه تمزيق وتفتيت المنطقة، ولولا سعي بعض الأنظمة العربية إلى كسب ود واشنطن بأي ثمن ولو كان على حساب المصالح العربية والفلسطينية.
المفارقة الراهنة هي أنه في الوقت الذي بدأت فيه الشعوب في الغرب تدرك خطورة الإستيطان والسياسات الإسرائيلية العنصرية ومحاولة تهويد القدس وتعترض عليها بفضل ما يقوم به الشعب الفلسطيني من انتفاضات متتالية، نلمس ظاهرة التراخي العربي والإسلامي والتقصير. فالحدث الفلسطيني المتمثل بالبطولة التي يبديها أبناء فلسطين حاليا بالإعتراض على القرار الأميركي نادرا ما يجد مكانه على شاشات مئات القنوات التلفزيونيّة الفضائية العربيّة، التي تتلهى بمواضيع ثانوية وهامشية وإلهائيّة. والسبب ليس من قبيل الصدفة بل هو نتيجة سياسات مقصودة تسهِّل عملية العبور إلى التطبيع وقبول دولة الكيان الإسرائيلي كأمر واقع في مكونات المنطقة الأساسية.
من ضمن سياسات الأمر الواقع الإعلامية أن هناك مخالفات جوهرية تقع ولا أحد يعترض عليها على مستوى الأنظمة. إذ أصبحنا نشهد على شاشاتنا مقابلات يجريها مراسلون داخل الكيان الإسرائيلي. وهذا ممنوع بالقانون لأن فيه ترويجاً للعدو.
من أوجه التقصير الإعلامي العربي غياب التوجه الإعلامي لتعميم معلومات عن القضية الفلسطينية من جانب مؤسسات إعلامية عربية تكون مصدراً لمعلومات تستفيد منها القنوات الغربية ووكالات الأنباء. فمن أصل ما يقارب 400 شركة إعلامية أولى في العالم ليس هناك من شركة عربيّة أو إسلاميّة ، فغالبيّة هذه الشركات أميركيّة وأوروبيّة وموجود فيها بقوة اللوبي اليهودي. وحده الحدث الفلسطيني الممزوج بدم الأطفال وتهديم البيوت وجرف المزروعات واجتياح الأقصى وغزوات المستوطنين، وحده هذا الحدث يستحضر الإعلام.
ولعله في تجربة تلاقي المقاومتين اللبنانيّة والفلسطينيّة ما يؤكد على أن الطريق الى تحرير الأرض هو وحدة البندقية وصوابيّة الرؤية وقيام التضامن العربي والإسلامي. وواقع الأمر أن الإعلام المقاوم أثبت أنه من الفعالية بما يوازي فعالية العمل المقاوم المسلح، إذ أنه يظهّـره ويُعرِّف به ويثبت هشاشة النظرية الإسرائيلية القائلة بأن الجيش الإسرائيلي لا يهزم.
أيا يكن الأمر وخارج حسابات الأنظمة السياسية الصغيرة، يمكن للإعلام والإعلاميين أن يخدموا في جوانب محدّدة ذات طبيعة إنسانية مثل الإستيطان وإبراز مخاطره. قضية الأسرى في السجون الإسرائيلية . فضح السياسات الإسرائيلية . تثمير الرأي العام الغربي المتعاطف مع القضية الفلسطينية. الإبتعاد عن إثارة الطوائفية والهواجس والغرائز. التشجيع على الحوار والتلاقي بين المكونات الداخلية سواء في المخيمات الفلسطينية أو خارجها. محاولة الحؤول دون إمتداد الإنقسامات العربية الى الداخل الفلسطيني والدفع بإتجاه التلاقي بين السلطتين في الضفة الغربية وغزة وتشكيل حكومة فلسطينية موحّدة تشمل كل المكونات الفلسطينية. كما يمكن للإعلاميين التواصل مع حركة الـ’’بي. دي. أس.‘‘ الغربية التي تعمل على تعطيل المبادلات الثقافية والفنية والأعمال التجارية التي تشارك فيها اسرائيل والإسرائيليون.
المطلوب حاليا في مواجهة صفقة القرن مقاومة التطبيع الثقافي والفني والإعلامي، وعدم الظهور على المنصات الإعلامية الإسرائيلية وعدم استضافة أي شخصية اسرائيلية على المنصات العربيّة، والإحجام عن تداول أي منتج إعلاني اسرائيلي وبذل كل الجهود الإعلامية الممكنة لتوعية الجمهور لمخاطر ’’صفقة القرن‘‘ والتركيز على ما يجري في فلسطين ونشر ثقافة مقاومة التطبيع. إذ أن ردود الفعل الفاترة على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، شجَّع الإدارة الأميركية على تسريع عملية النقل والإنتقال إلى ’’صفقة القرن‘‘.
واقع الحال ’’صفقة القرن‘‘ ليست أبدا قدرا محتوما. فالأميركيون منقسمون حيالها. والإعتراض يأتي عليها من جانب كل الفصائل الفلسطينية. ودول الغرب لا تساندها. ومحور المقاومة يعترض عليها. والرأي العام العربي والإسلامي يشجبها. إذ أن فلسطين تبقى وستبقى بوصلة الأمتين العربية والإسلامية مهما طال الزمن.