تشكّل أزمة السير في الضاحية الجنوبية لبيروت، كما في معظم المناطق اللبنانية، مشكلة حقيقية لدى سكّان المنطقة، خصوصاً في ساعات الذروة عند الصباح وفي فترة بعد الظهر. وعلى مدى الأعوام السابقة، لم تتمكن البلديات من انشاء خطة متكاملة لحلّ هذه الأزمة رغم بعض المحاولات لضبط هذا الواقع.
أبرز الخطط التي كانت ستنفذ في الضاحية بدأت عام 2006 إلا أن العدوان الاسرائيلي في تموز من ذلك العام أدّى إلى إرجائها. وفي عام 2009، انطلقت خطة جديدة عبر اتحاد بلديات الضاحية من خلال دراسة شاملة أنجزتها شركة "ATT Group" والتي شملت وضع اشارات ضوئيّة وتغيير اتجاهات السير في بعض الطرقات وتحويل بعضها الى خط واحد one way.
خطة نموذجية جديدة؟
انطلاقاً من هذا الواقع، بدأ اتحاد بلديات الضاحية الجنوبيّة منذ أكثر من عام تحضير خطة نموذجية تُنظّم السير في هذه المنطقة، لحلّ الأزمة من جذورها وليس على مبدأ "الترقيع"، وذلك ضمن خطة "ضاحيتي" الاستراتيجية. وبعد التعاقد مع شركة "خطيب وعلمي" التي بدأت إعداد الخطّة والدراسات عام 2017 عبر تجميع البيانات، انطلق العمل الفعلي لدراسة الواقع على الأرض.
جغرافياً، تشمل الخطة أربع بلديات (حارة حريك، المريجة، الغبيري، وبرج البراجنة) وتتمدّد إلى أجزاء من الشويفات، الحدت، الشياح، وذلك نتيجة التداخل السكاني، ما يعني أنها تبدأ شرقاً من طريق صيدا القديمة-الحدت وصولاً الى البحر، وجنوباً من خلدة وصولاً إلى المدينة الرياضيّة شمالاً. كما تُغطي مساحة 22 كم²، وأكثر من 850 الف نسمة بين لبنانيين وأجانب.
تلحظ الخطة نوعين من المشاريع: الاول هو حصرا من مسؤولية الدولة قوامه الطرق الدوليّة والاوتوسترادات والانفاق والجسور والتجهيزات اللوجستية الضخمة ذات التكاليف الباهظة. وآخر متعلق بالبلديات وعلى رأسها الاتحاد، وقوامه الطرق الفرعية ووجهات السير والوسطيات والاشارات التوجيهيّة، الذي هو ايضا في جزء منه يفوق قدرة الاتّحاد لكنه يتحمّله.
عملياً، تنقسم العملية على 3 مراحل: الاولى ستنجز في الجزء الاول من العام الجاري. وهي تحديد جديد لاتجاهات السير، تحويل لبعض الخطوط في اتجاه واحد او اتجاه معاكس، وضع اشارات توجيهية وارشادية وتحذيرية ومرايا (ممنوع الوقوف، وممنوع المرور، اتجاهات، الخ …)، اضافة الى انشاء جزر خضراء لتنظيم اتجاهات السير وانشاء الوسطيات والفواصل في الطرقات الرئيسية. اما المرحلتان الثانية والثالثة من الخطة، ضمن القسم المعني بمسؤولية البلديات والاتحاد، فإن دراستهما جاهزة، لكنها تحتاج الى بعض الترتيبات المالية واللوجستية.
تقوم الدراسات على أحدث البرمجيّات المعتمدة عالمياً، وتستخدم برامج الكمبيوتر المتّبعة في أوروبا وأميركا، كما طُبّقت على نظام العرض الافتراضي "سيميلايتور" لحركة الآليات في الضاحية، تبيّن ان غالبية السيارات تتوقف في اختناق مروري عند التقاطعات والطرق الفرعية ذات الوجهتين وانتظار الدخول والخروج من المواقف الجانبية. وقوام فكرة تحديد وجهة سير واحدة يهدف الى زيادة انسيابية حركة الآليات، والاسراع في تجوالها، وايجاد مواقف جانبية على طرفي الطريق.
تفاصيل الخطة
انطلاقاً مما سبق، أكد نائب رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية المهندس علي سليم، في حديث مع "النشرة"، أن "الدراسة استمرت عدة أشهر وميزتها أنها درست كافة التفاصيل والمناسبات والأوقات"، مشيراً إلى أن "البداية ستكون من تقاطع الكفاءات والانطلاق الفعلي للخطّة سيكون في حارة حريك".
وأوضح سليم أن "التنفيذ سيكون على عدة مراحل بسبب التكلفة المالية، فالمرحلة الأولى كلفتها 4 مليارات و900 مليون ليرة تم تمويلها من قبل الاتحاد"، وشرح تفاصيلها في حارة حريك قائلاً "سيتم تحويل طريقين أساسيين إلى طرق باتجاه واحد (one way)، الأول المتجه من الجنوب إلى الشمال هو الخط الممتد من منطقة عين السكة في برج البراجنة مروراً بحارة حريك وصولاً إلى ساحة الغبيري، أما الثاني فهو المتجه من الشمال إلى الجنوب الذي سيكون موازٍ للأول من جهة بئر العبد، ليشكلان حركة دائرية تحوي على تفرعات معظمها ستكون من اتجاه واحد باستثناء بعض الشوارع الواسعة والرئيسية".
وعن مدى التزام المواطنين بهذه الخطة، اعتبر سليم أن "المرحلة الأولى التي تضم تحويل اتجاهات السير وتركيب اشارات مرور ثابتة ستترافق مع حركة إعلامية كبيرة لتعريف المواطنين بتفاصيل المشروع واعلامهم بكيفية العبور على الطرقات"، مشدداً على ضرورة "أن يتعاون الناس مع شرطة البلدية والمتطوعين الذين سينزلون على الأرض مع انطلاق الخطة ليعتاد الناس على نمط حركة السير الجديد".
يقضي معظم اللبنانيين وقتا كبيراً على الطرقات نتيجة أزمة السير. حرقٌ للوقت يصاحبه حرقٌ للأعصاب، وما يرافقه من خسائر مادّية. لذا، أمام هذا الواقع، فإن الخطة، في حال نجاحها، ستكون خطوة جديدة نحو الأفضل في الضاحية الجنوبية، على أمل أن يتحمّل المواطنون مسؤولياتهم فيها.