في السنوات الماضية، تعرض رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى الكثير من الإنتكاسات، بعضها يتعلق بعلاقاته مع أفرقاء محليين، حلفاء وخصوم، وبعضها الآخر يتعلق بعلاقاته مع أفرقاء خارجيين، حلفاء وخصوم أيضاً، لكن في كل مرة كانت العودة إلى نقطة مركزية واحدة، أنْ لا بديل عن الرجل على الساحة اللبنانية.
في شهر تشرين الثاني من العام 2017، أعلن الحريري إستقالته من رئاسة الحكومة من العاصمة السعودية الرياض، التي تعتبر الحاضنة الإقليمية للزعامة السنية في لبنان، وقيل الكثير حول هذه الإستقالة، لناحية إجبار الحريري على تقديمها من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلا أن رئيس الحكومة السابق لم يقدم أي جواب واضح حول هذه المسألة حتى اليوم، لكن في المقابل هو عاد عنها بعد خروجه من المملكة بوساطة قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
في تلك المرحلة، طرحت الكثير من السيناريوهات حول ما يمكن أن تقدم عليه الرياض لاحقاً، نظراً إلى أن عودة الحريري عن الإستقالة، بعد وصوله إلى بيروت، أكدت بما لا يقبل الشك المعلومات عن إعتقاله وإجباره على الإستقالة، إلا أنها في نهاية المطاف اصطدمت بمعادلة عدم وجود أي شخصية سنية لبنانية قادرة على أن تقدم النموذج البديل عن الرجل.
بعد السابع عشر من تشرين الأول الماضي، قدم رئيس الحكومة إستقالته من جديد، وقيل أيضاً أنه أجبر على الذهاب إلى هذه الخطوة نتيجة ضغوط خارجية فرضت عليه، من الولايات المتحدة الأميركية تحديداً، وأعلن لاحقاً عدم رغبته بالعودة إلى رئاسة الحكومة، نتيجة الخلاف مع "التيار الوطني الحر" حول صيغة التكنوقراط برئاسته، أو خروج رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل من الحكومة.
وبعيداً عن تفاصيل السيناريو الذي قاد إلى دخول حسان دياب نادي رؤساء الحكومات في لبنان، أكد الحريري من جديد أن لا بديل عنه على الساحة المحلية، على الأقل حتى الآن، حيث الحاجة إليه من قبل أفرقاء أساسيين وتفضيلهم له على أي شخصية أخرى، منهم "حزب الله" و"حركة أمل" و"الحزب التقدمي الإشتراكي"، مقابل أفرقاء آخرين لم يترددوا في التخلي عنه، كحزب "القوات اللبنانية"، أو إسقاط التسوية معه، كـ"التيار الوطني الحر"، لكن في المقابل سيعودون له في وقت قريب، من دون تجاهل الموقف الذي عبرت عنه دار الفتوى وحال دون تسمية المهندس سمير الخطيب رئيساً مكلفاً بتشكيل الحكومة.
فـ"القوات" يدرك جيداً أن أي مشروع معارض في البلاد لا يمكن أن ينجح من دون "تيار المستقبل"، وهو سعى إلى ذلك عبر فتح قنوات التواصل مع الرياض من أجل الدفع نحو المصالحة مع الحريري، بينما "الوطني الحر" تعلم من التجربة السابقة أن لبنان لا يدار إلا بالتسويات، كما حصل لدى إنتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وبالتالي هو مضطر للعودة إليه في الإستحقاق المقبل، طالما أنه بات من المؤكد أن رئيسه سيكون مرشحاً.
الأساس الصلب الذي يستند إليه رئيس الحكومة السابق هو غياب المنافس على الساحة السنية، فأي من الشخصيات الفاعلة لا تجرؤ على خوض مواجهة مفتوحة معه، بينما من هم في الموقع المعارض لا يستطيعون تجاوزه، بسبب حالة التعاطف الشعبي التي لا يزال يحظى به، لا سيما أنهم لا يمثلون أكثر من حالة شعبية مناطقية، وبالتالي لا ترتقي إلى مستوى المنافسة مع "المستقبل"، بدليل الإنتخابات النيابية السابقة التي كان فيها الوحيد الذي لديه مرشحين عن كل المقاعد النيابية السنية.
حتى تبدل تركيبة النظام الطائفي الحالي، سيبقى الحريري مستفيداً من "نعمة" غياب البديل، والقدرة على سحب "الشرعية" المذهبية من أي منافس له رغم كل الضعف الذي لحق به، إستناداً إلى معادلة الأقوياء في طوائفهم التي كان أرساها "التيار الوطني الحر"، في حين أن القوى الخارجية، لا سيما السعودية، ستكون أيضاً مضطرة إلى التعامل مع الأمر الواقع القائم، بينما المنافس الوحيد الذي قد يواجهه هو في البيت العائلي.