بعد أكثر من ١٢٠ يوماً على إنتفاضة ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩، يمكن القول وبما لا يقبل الشك أن شظايا إنفجارها أصابت كل الأفرقاء السياسيين ومن دون إستثناء. عندما نقول من دون إستثناء، فهذا يعني أن الإنتفاضة، لم تلحق الضرر بمن وقف بوجهها فقط، بل أصابت أيضاً الأحزاب والتيارات التي حاولت ركوب موجتها، متنصلة من كل السنوات الماضية التي شغلت فيها مواقع سلطوية في الدولة، أكانت هذه المواقع في مجلس النواب أم في الحكومة. وفي قراءة للمشهد الحالي، يرى سفير أوروبي بارز في لبنان أن "تيار المستقبل يتصدر لائحة المتضررين من الإنتفاضة، على رغم ركوب رئيسه سعد الحريري موجتها ومنذ الأيام الأولى". السفير الأوروبي نفسه يقول "إن ركوب رئيس التيّار الأزرق موجة الحراك في الشارع وإستقالته من الحكومة، لم يخففا من نقمة المتظاهرين عليه ولم يلمّعا صورة تياره من الفساد الذي نَخَر مؤسسات الدولة وأوصل الوضعين المالي والإقتصادي الى ما وصلنا اليه، وما حصل في اليومين الفائتين من إشكالات حصلت في وسط بيروت بين شباب الحراك ومناصري تيار المستقبل، خير دليل على الهوّة الكبيرة بين الحريري والحراك".
وإذا كان سعد الحريري على رأس لائحة المتضررين، يأتي التيار الوطني الحر في المرتبة الثانية، بحسب الدبلوماسي الأوروبي البارز الذي يقول، "لقد كان واضحاً منذ الأيام الأولى، كيف كانت الهتافات ولا تزال موجهة ضد رئيس التيار النائب جبران باسيل، وكيف نجحت هذه الإنتفاضة بإبعاده والحريري عن الحكومة، مع كل الوجوه التي سميت بـ"المستفزّة". الفارق الشكلي بين الحريري وباسيل، هو أن الأوّل حاول ركوب الموجة أما باسيل، فوقف وتياره بوجهها حتى ولو أنه غازلها في بعض تصريحاته، لكن النتيجة جاءت مماثلة على الرجلين مع فارق أن الحريري أصبح خارج السلطة كلياً، وباسيل داخلها عبر مقربين. وكما الحريري، كذلك ركب رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط موجة الحراك، لكنه في نهاية المطاف تضرر منها، ووصل التوتر بينهما الى حدود رفع الشكاوى القضائية المضادة وبتهم فساد بين الوزير الإشتراكي السابق وائل أبو فاعور والمحامي واصف الحركة، الأمر الذي فتح بين الفريقين حرب سجالات، وأدى الى إنزعاج جمهور الإشتراكي من شارع الإنتفاضة.
قراءة السفير الأوروبي البارز تضع حركة أمل والقوات اللبنانية في المرتبتين الرابعة والخامسة. الحركة لم تركب موجة الإنتفاضة وراح الشارع يشتم رئيسها نبيه بري محملاً إياه مسؤولية نسبة كبيرة من الأموال المهدورة. أما القوات التي وقفت الى جانب الإنتفاضة وسحبت وزراءها من الحكومة السابقة، فوجهت السهام اليها أيضاً من الساحات، تارةً على خلفية المشاركة في جلسات الموازنة والثقة بالحكومة، وتارةً أخرى على خلفية قطع الطرقات وملفات فساد طرحت عن الوزارات التي تولاها وزراؤها، وما نتج عنها من ضرر. أما في المرتبة السادسة ودائماً بحسب قراءة دبلوماسية، فيأتي حزب الله، التي إعتمد سياسة هي الأذكى بين طرق الأفرقاء الآخرين. سياسة قائمة على محاورة الحراك، وتبنّي مطالبه المعيشية، إضافة الى عدم تحريك شارعه بوجه الشارع الآخر. سياسة قائمة على عدم تعرض النواب والوزراء المنتمين الى كتلة الوفاء للمقاومة، للحراك والتركيز قدر الإمكان في كلماتهم على الوضعين المالي والإقتصادي، بدلاً من الدخول بسجالات ودعاوى مع مجموعات الحراك.
منذ ١٧ تشرين الأول، قيل الكثير وكتب الكثير عن أن الإنتفاضة محركة أميركياً لإستهداف حزب الله، لكن النتيجة الواضحة بعد أكثر من ١٢٠ يوماً هي أن الحزب هو الأقل تضرراً، كل ذلك بسبب إعتماده مبدأ الحياد وعدم الوقوف على تماس مع الشارع المنتفض.