لقد بات من المسلّم به أن المجريات السياسية في المنطقة ككل، وإنعكاساتها على لبنان في جهة معيّنة، وأن الرئيس سعد الحريري في جهةٍ أخرى معاكسة، وكعادته حتى الساعة، لم يتخل عن خطبه التعبوية، التي تفتقد الى الموضوعية، والمنطق السياسي التحليلي السليم، ولايزال على غيه في عقد الآمال على المراهنات الفاشلة، فلازلنا ننتظر حتى الساعة ” عودته الى بيروت عبر مطار دمشق”، كذلك تأدية حليفه الرئيس التركي رجب الطيب إردوغان الصلاة في المسجد الأموي في العاصمة السورية. ولكن ما حدث عملياً أن الحضور الرئاسي على المستوييين الإقليمي والدولي في المسجد المذكور، إقتصر على الرئيسيّن الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد.
بالإنتقال الى الشأن الداخلي اللبناني، تحديداً في ما خص خطاب الحريري الأخير، في ذكرى إستشهاد والده، فإنه خال من أي رسائل سياسية جدية، أو ذي أبعادٍ يبنى عليها، أو معنىٍ حتى، ما يؤكد بما لا يرتقي الى مستوى الشك، أن الحريرية السياسية متجهة الى مزيدٍ من الضمور والانحدار، وأن رئيس “التيار الأزرق”، لم يعد خطوة الى الوراء، ليعيد حساباته، ويوزن كلامه، قبل أن يرتجل مواقفه المعتادة.
بالنسبة لحكومة الرئيس حسان دياب، فهي نتيجة ناجمة عن “مساكنة موقته”، بين محوري المقاومة وواشنطن، على حد تعبير مرجع قريب من المحور الأول، سائلاً: ” إذا لم يكن ذلك دقيقاً، فكيف تضم في عدادها أكثر من نصف أعضائها من حملة الجنسية الأميركية ؟ كما يؤكد المرجع أن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، ما كان ليستقبل دياب بحفاوةٍ لافتةٍ، لو لم يكن يحظى الأول، بدعمٍ عربيٍ، وإسلاميٍ، تحديداً سعوديٍ، وإمارتيٍ. ولكن لا يعقد المرجع الآمال كثيراً على هذه الحكومة في تحقيق الإنجازات، خصوصاً في الخروج من الأزمة المالية الراهنة، ويرى “أن الوزارة الراهنة قد تضع حداً للتدهور، وتضبطه عند حدود معينة“، على حد قوله. ويلفت المرجع الى أن أسباب هذه الأزمة، هي سياسية بالدرجة الأولى، وهي مفتعلة من الولايات المتحدة، بحسب تأكيد السفير الروسي في بيروت الكسندر زاسبكين قبل حدوث موجة الإحتجاجات في لبنان في تشرين الأول الفائت. ويجزم أن جل أهداف هذه الاحتجاجات في مضمونها، هي محاولة عزل حزب الله عن حلفائه، وفي طليعتهم، التيار الوطني الحر، ورئيسه جبران باسيل، وهذا ما يفسر قوة الحملة الإعلامية التي إستهدفته، في الآونة الأخير، ودائما وفقاً لرأي المرجع المذكور آنفاً. ويختم بالقول: ” صحيح أن الحريري يهاجم باسيل في العلن، ولكنه يمني نفسه، أي رئيس الحكومة السابق بإعادة ترميم التسوية مع رئيس “التيار”، كونها السبيل الوحيد لعودته الى الحكم”.
بالعودة الى خطاب الحريري، وبناءَ على ما تقدم، فإن رصاصات الحريري الذي وجهها أخيراً على باسيل، هي خلبية، ولم تصبه على الإطلاق، ولن تؤثر في تياره أيضاً، خصوصاً بعد ورود تقارير دولية، تؤكد عدم تورط التيار البرتقالي في الفساد، بعكس فريق “المستقبل”، هذا بحسب ما جاء في التقارير عينها.
إذا، من البديهي أن يكون باسيل راهناً في حال منتهى برودة الأعصاب، وراحة البال، لناحية الشفافية والنزاهة، ومن لديه وثائق تثبت ضلوع باسيل وفريق عمله بجرائم فساد، فليقدمها الى القضاء المختص، ليبنى على الشيء مقتضاه.
وما يعزز من قوة باسيل وحلفائه أيضاً وأيضاً، ويزيد في إقتناعه أن الحريري، سيعود حتماً الى ترميم التسوية التي إعادته الى السرايا الكبيرة منذ ثلاثة أعوام ونيّف، هو تقدم محور المقاومة في المنطقة، تحديداً بعد الإنجازات الميدانية الاستراتجية التي يحققها الجيش السوري في المناطق المتاخمة لتركيا أخيراً، كذلك الانفتاح العربي، حصوصاً السعودي على دمشق، الذي حتماً سيكون له إنعكاسات إيجابية على الأوضاع في لبنان والجارة الأقرب، رغم كل الأعباء المالية والاقتصادية التي يرزح تحتها راهناً، التي قد تمتد لعدة أشهر مقبلة، في إنتظار تبلور تسوية لإنهاء النزاع في المنطقة، التي قد تضع حداً بدورها لهذه الأعباء، وتعيد الأمور الى نحو قريبٍ مما كانت عليه قبل إندلاع الاحتجاجات، وليس بعيداً أن تنتهي بذلك الحريرية السياسية الى غير رجعة، أي بعد إبرام التسوية المرجوة.