من ضُمن ما جاء في كلمة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في ذكرى 14 شباط، عبارة مهمّة لم تأخذ حجمها، بسبب تركيز التعليقات على إنهيار التسوية بين تيّاريّ "المُستقبل" و"الوطني الحُرّ"، وهي: "نحن مع إنتخابات مُبكرة. وأدعو الجميع للتفكير بهدوء ومن دون مُزايدات. وكتلة "المُستقبل"، ستُقدّم إقتراحَ قانونِ جديد كما ورد في إتفاق الطائف، بأسرع وقت". فماذا يعني ذلك؟.
من المَعروف أنّ "إتفاق الطائف" الذي تحوّل إلى دُستور جديد للبنان، نصّ في فقرة "الإصلاحات السياسيّة" على أنّ "الدائرة الإنتخابيّة هي المُحافظة"، وتحدّث عن "قانون إنتخاب خارج القيد الطائفي"، وخصّص فقرة صغيرة هي الفقرة "جيم" لقانون الإنتخابات النيابيّة شدّدت على تقسيم المُحافظات(1). وبالتالي، إنّ تحضيرات كتلة "المُستقبل" لإقتراح قانون من وحي ما ورد في "إتفاق الطائف"، يعني عمليًا الإنضمام إلى صُفوف المُعارضين للقانون الإنتخابي الحالي، والذي ينصّ على التصويت النسبي وليس الأكثري، وفق 15 دائرة إنتخابية، مع إعتماد "الصوت التفضيلي". وليس بسرّ أنّ "المُستقبل" كان الجهة السياسيّة التي مُنيت بالخسارة الأكبر بسبب طبيعة القانون الإنتخابي الحالي وتقسيماته، وليس مُستغربًا أن يسعى بالتالي لإستبداله في الدورة المُقبلة. وبغضّ النظر عن الأسباب والخلفيات، لا شكّ أنّ دائرة المُعارضين للقانون الإنتخابي الحالي توسّعت أكثر فأكثر، بحيث صار السؤال جائزًا ما إذا كانت الإنتخابات النيابيّة المُقبلة المُقرّرة في أيّار من العام 2022، ستجري في موعدها، والأهمّ ما إذا كان سيتمّ تغيير القانون مرّة جديدة، باعتبار أنّ القانون الإنتخابي الأخير كان قد أسقط بدوره قانونًا سابقًا(2).
ورغبة "المُستقبل" بتغيير القانون الإنتخابي الحالي، تتقاطع مع رغبة مُماثلة من قبل "الحزب التقدمي الإشتراكي" الذي فقد بدوره عددًا لا بأس به من مقاعد كتلته النيابية خلال الإنتخابات الأخيرة، بعد أن كانت الكلمة الفصل له في الشوف وعاليه، مع القوانين الإنتخابيّة السابقة. حتى أنّ حركة "أمل" التي لم يتسبّب لها القانون الإنتخابي الحالي بأيّ أضرار تُذكر، شأنها في ذلك شأن "حزب الله"، تقدّمت عبر كتلة "التحرير والتنمية" بإقتراح لتعديل القانون الحالي، لجهة الذهاب إلى إعتبار لبنان دائرة إنتخابيّة واحدة على أساس النسبيّة(3)، وذلك بهدف إضعاف قوى سياسيّة ومُساعدة قوى أخرى. لكن للتذكير، وفي حين أنّ العديد من القوى السياسيّة المَحسوبة على محور "المُقاومة والمُمانعة" أبدت دعمها المبدئي لإقتراح "أمل"، جاءت مواقف القوى المسيحيّة حذرة إزاء توقيت طرح تغيير قانون الإنتخابات، مع تسجيل مُعارضة من قبل كل من "التيّار الوطني الحُرّ" و"القوات اللبنانيّة"، لما يتمّ طرحه من تعديلات. والسبب أنّ القوى المَذكورة تعتبر أنّ توسيع الدوائر الإنتخابية، أكان وفق طرح "أمل" أي ليكون لبنان دائرة واحدة، أو وفق طرح "المُستقبل" أي ليكون لبنان مقسّمًا إلى دوائر إنتخابية بحجم المُحافظات، يستهدف الطائفة المسيحيّة القليلة العدد نسبيًا، وغير المُركّزة جغرافيًا في مناطق مُحدّدة-كما هي حال باقي الطوائف والمذاهب. ويعتبر مُعارضو إقتراح كتلة "التنمية والتحرير"، أنّ إعتماد اللوائح المُقفلة على مُستوى لبنان، يُمثّل ضربًا لإرادة الناخبين، ويُعيد ما إصطلح على تسميته "المحادل الإنتخابيّة" إلى الواجهة. وذهب بعض المُحلّلين إلى إعتبار إسقاط "الصوت التفضيلي" بأنّه يستهدف إسقاط رئيس "التيّار الوطني الحرّ" الوزير السابق جبران باسيل شخصيًا.
في كل الأحوال، صحيح أنّ الهموم الإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة هي الطاغية في المرحلة الراهنة، حيث أنّ كل المواضيع السياسيّة تأتي في مرحلة متأخّرة، لكنّ الأصحّ أنّ مطلب الإنتخابات المُبكرة مرفوع من قبل الحراك الشعبي كأولويّة مُطلقة. ولا مُؤشّرات عن نيّة في تقديم موعد الإنتخابات لدى أي جهة سياسيّة، لكنّ المُعطيات الحاليّة تؤشّر إلى أنّ خلافات كبيرة ستقع في المرحلة المُقبلة، بشأن مسألة القانون الإنتخابي. والسبب أنّ قوى سياسيّة عدّة ستضغط لتغيير القانون الحالي، بينما ستدافع عنه قوى أخرى، إمّا بشكل مُباشر أم غير مُباشرة عن طريق تقديم قوانين مُقابلة، ليحتدم الخلاف ولتسقط كل مُحاولات التغيير دفعة واحدة، من دون إستبعاد أن تؤدّي هذه الإختلافات إلى تطيير موعد الإنتخابات! وبعكس ما هي عليه التحالفات السياسيّة حاليًا، إنّ مُناقشة قانون الإنتخابات في المرحلة المُقبلة، ستُؤدّي إلى إعادة تموضع لكثير من القوى. وفي هذا السياق، من المُرجّح أن يلتقي "التيّار الوطني الحُرّ" و"القوات" مُجدّدًا على رفض تهميش المُكوّن المسيحي، من خلال التصدّي المُشترك لطروحات إنتخابيّة تُذيب وتُهمّش الصوت المسيحي ضُمن دوائر إنتخابيّة واسعة، وهما سيرفضان العودة إلى الوراء على مُستوى التمثيل المسيحي في السُلطة التشريعيّة، والذي كان قد تحسّن كثيرًا خلال الدورة الإنتخابيّة الأخيرة. في المُقابل، سيتلاقى "تيّار المُستقبل" مع حركة "أمل" وبعض القوى الحزبيّة من فريق "8 آذار" على توسيع الدوائر الإنتخابيّة، لكنّ هؤلاء سيختلفون على تفاصيل القانون. وهذه التفاصيل ستُحدّد موقع الحزب الإشتراكي الراغب بدوره بتغيير القانون الحالي، لكن بشرط تعزيز فرص فوزه في "الجبل". وسيكون "حزب الله" مُحرجًا في الدفع نحو هذا الخيار أو ذاك إنتخابيًا، لأنّه من غير المُمكن إرضاء حليفه "البرتقالي"، وفي الوقت نفسه الإستجابة لطلبات توسيع الدوائر، والتخلّي عن "الصوت التفضيلي"–كما يرغب حلفاء "الحزب".
في الخُتام، إنّ لبنان سيُواجه خلال السنوات القليلة المُقبلة ضُغوطًا إقتصاديّة وماليّة وإجتماعيّة هائلة، وهو لن يكون قادرًا على تحمّل صراعات سياسيّة مُوازيّة لأزمته المعيشيّة المصيريّة. لكن للأسف، قانون الإنتخابات سيُشكّل مادة خلافية حادة، ستطفو على السطح في المُستقبل غير البعيد، في الوقت الذي يحتاج لبنان إلى أكبر قدر من الإستقرار السياسي لتجنّب الإنهيار!.
(1) جاء في الدُستور: "تجري الإنتخابات النيابيّة وفقًا لقانون إنتخاب جديد على أساس المُحافظة، يُراعي القواعد التي تضمن العيش المُشترك بين اللبنانيّين، وتؤمّن صحّة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله، وفعالية ذلك التمثيل، بعد إعادة النظر في التقسيم الإداري في إطار وحدة الأرض والشعب والمؤسّسات".
(2) كان ينصّ على أن تجري الإنتخابات وفق التصويت الأكثري مع تقسيم لبنان إلى 26 دائرة إنتخابيّة على أساس القضاء، ومع تقسيم بيروت إلى ثلاث دوائر إنتخابيّة.
(3) وينصّ الإقتراح أيضًا على إعتماد لوائح إنتخابيّة مُقفلة، وعلى خفض سنّ الإقتراع إلى 18 سنة، وعلى إضافة ستة نوّاب يُمثّلون دول الإغتراب، وإعتماد "كوتا" نسائيّة مُلزمة في اللوائح الإنتخابيّة.