يدين كبار رجال الدين أهل السياسة في لبنان ويوبخونهم في خطبهم على فسادهم وتقصيراتهم وأخلاقياتهم. جيد أن يقوم هؤلاء القادة الروحيّون بدور الضمير في المجتمع، ويكونوا صوت الله ويحملون كالأنبياء رسالته الأخلاقية للحكام والمواطنين على حدٍّ سواء. وهو حسن أيضاً أن يُذكّروا المنخرطين في الحكم والشأن العام أن السياسة تُعنى بشؤون الناس الحياتية والعملانية وأن الدولة هي الأداة لتحقيق الخير العام في المجتمع.
طبعاً يُقدّر الناس رسالة القيّمين على الرسالة الدينيّة خاصة إن علّوا الصوت في أمور تتعلّق بحقوقهم وبلقمة عيشهم وبكرامة حياتهم الإنسانية وبعدالة التوزيع الاجتماعي. وهناك من يزداد حماسة عندما يسمع نبرة رجال الدين تعلو وتحتدّ ضدّ أهل السياسة في زمن الاضطرابات السياسيّة والانهيار الاقتصادي. وهناك بعض من رجال المؤسّسة الدينية يحاولون الانخراط في الحراك والثورة علّهم ينقذون المجتمع والدولة من الدُرك الذي أوقعهما فيه السياسيون.
هنا نطرح الأسئلة التالية: هل يقدر هؤلاء القادة الدينيّون أن يقوموا بهذا الدور؟ هل يحق لهم مُحاولة الغاء القادة السياسيّين والهيئات الحزبيّة والسياسية تحت حجة الانتصار للمبادىء والشعارات الكبرى؟ ألا يُورّطهم تعميمهم بأن كل السياسيّين فاسدين بجرم "تبرئة المذنب وتذنيب البريء؟" من المؤكد أن الناس تحتاج الى من ينتصر لها ولحقوقها في أيام الظلم والقهر والذلّ، لكن من المؤكد أيضاً أن الناس يتّهمون كبار رجال الدين بالتحالف والتواطؤ مع كبار الأغنياء والفاسدين من أهل الحكم، ولطالما سندوا بعضهم البعض في الملمات.
هنا لا بدّ من تقديم النصائح التالية: إن رياح التغيير التي تعصف بالبلاد تدفع جميع القيادات الروحية والزمنية للتدقيق في إدائها ومؤسّساتها وأعمالها ودفاترها لتنزع الفساد الذي لم يوفّرها فتكون قدوة للسياسيّين وللشعب على حدّ سواء. الناس يذكرون ويعرفون جيداً ان بعض القادة الروحيّين تورّطوا بفساد مالي وأخلاقي وبعضهم الآخر سكت وغطّى فاسدين ومرتكبين في مؤسّساته الدينية والتربوية والصحية والاجتماعية والوقفية لسبب أو لآخر. والناس يذكر أن بعضهم الآخر يخاف من العلمانيين والسياسيين الاقوياء، لذا يسكت عن الاهانات الموجهة ضدهم، ويحنّ ويتوق الى التخلّص منهم، لتؤول لهم المرجعية الاولى في الحكم والدين كما كانت عليه الحال في أزمنة سالفة.
إن الحراك الذي تشهده البلاد قد يتحوّل بلحظة ما ثورة جارفة تطال جميع المؤسّسات بما فيها الدينية، والتطاول على كرامات القيادات السياسية قد يصل الى القيادات الدينية والتربوية ولن يوفّر أحداً. وبمعزل عن واقع وجود غوغائيين وشتامين في الشوارع، الحقيقة هي ان الناس ما عادوا يحتملون التباين بين الخطاب السامي والسيرة الملطخة، وقد ينفجرون لذلك. وأنا إذ لا احبّذ الثورات ولا أشجّع عليها، وأفضّل الاصلاح وأعمل له، أقول هذه ساعة الحقيقة وهذه لحظة مناسبة للإصلاح، وإلا السلام على دائرتي الدين والدنيا.