صحيح أن القرار الذي إتخذته شركة طيران الشرق الأوسط مساء السبت الفائت، وقبل أن تعود عنه تحت الضغط مساء الأحد، جعل الكثيرين يتوجهون الى المطار فوراً لحجز تذاكرهم بالليرة اللبنانية قبل الإثنين اليوم الذي كان محدداً قبل الإلغاء لبدء تطبيق القرار القاضي بحصر بيع تذاكر السفر بالدولار فقط وليس بالليرة اللبنانية. صحيح أن القرار أنتج ازدحاما خانقا داخل مكتب الميدل ايست في المطار، تطوّرت أحياناً الى تدافع وسجالات، لكن تدقيقاً بسيطاً في الأسباب يكشف المستور.
على هذا الصعيد، تكشف المصادر الأمنية من داخل مطار بيروت أن السبب ليس فقط تهافت المواطنين الذين سبق أن قرروا سفرهم وحددوا موعده، لا بل له علاقة مباشرة بتحقيق الأرباح. وفي شرح أكثر تفصيلاً، تكشف المصادر عينها أن العناصر الأمنية التي كانت تواكب هذا الازدحام داخل المطار لاحظت أن عدداً لا بأس به من المواطنين المتهافتين على شراء تذاكر السفر، إما يملك مكاتب للسياحة والسفر وإما يعمل لدى أصحابها، الأمر الذي يؤكد أن سبب التهافت ليس فقط بسبب المواطن الذي أراد أن يوّفر على جيبه خلال هذه الأزمة المالية. فهناك العشرات من أصحاب مكاتب السفر والعاملين لديهم توجهوا الى مكتب الميدل ايست في المطار حيث حجز كل واحد منهم أكثر من تذكرة، الأمر الذي يؤكد أن مخطط هؤلاء كان يهدف الى حجز أكبر عدد ممكن من تذاكر السفر بالليرة اللبنانية، لبيعها بعد تطبيق القرار بالدولار الأميركي وتحقيق أرباح طائلة من جراء هذا البيع، وهنا يبرز التواطؤ الفاضح بين أصحاب مكاتب السفر الذين كانوا أول المرحبين بقرار شركة الميدل ايست أي بدولرة تذاكر السفر، قبل أن تعود الشركة عنه تحت الضغط الذي مارسته رئاستا الجمهورية والحكومة.
سلّة أصحاب مكاتب السفر بقيت "فاضية" كون القرار ألغي مساء الأحد والبطاقات التي إشتروها دفعوا ثمنها بالليرة اللبنانية ولن يتمكنوا من بيعها بالدولار فقط كما كان يقول المخطط الموضوع بين شركة ميدل ايست ومكاتب السفر.
الأفظع من هذا التواطؤ تقول مصادر متابعة للملف، هو ما تبيّن لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب خلال الإتصالات التي قاما بها لوقف قرار الميدل ايست، هو أن مدير الشركة محمد الحوت، لم يتخّذ قراره لوحده بل نسّقه كاملاً مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، لا بل أكثر من ذلك هناك من يقول إن الحاكم هو من دفع الحوت الى إتخاذ هذا القرار عندما قال له أنه لم يعد قادراً كشركة على تحمل فارق سعر صرف الدولار ولا على تغطية هذا الفارق على إعتبار أن المصرف المركزي يملك نسبة ٨٠ ٪ من أسهم الميدل ايست.
إذاً القرار الملغى، لا يخالف فقط قانوني النقد والتسليف وموازنة العام ٢٠٢٠. هو قرار جائر وبين سطوره عمولة، لذلك على رغم إلغائه، محاسبة من إتخذه هي أكثر من ضرورية، لعدم تكراره على الأقل.