بقلب مليء بالالم والحزن، تأخذ هذه الكلمات مكانها في هذا المقال، لتطلق صرخة كبيرة في وجه الجميع، مفادها، ان بوادر سقوط هيبة الدولة باتت حاضرة وقد شهدنا عيّنة منها في اكثر من مناسبة. على الصعيد الامني، كان من غير المقبول بتاتاً سقوط شهداء للجيش اللبناني ولقوى الامن الداخلي بالطريقة التي حصلت منذ ايّام، وقد باتت "الوقاحة" فاضحة الى حدّ الدخول الى حرم مكتب ضابط في مخفر للدرك مع سلاح حربي، واطلاق النار على عسكريين في داخله. هذا جرس انذار بأنّ هيبة الدولة الامنيّة باتت على المحك، وبأن استسهال التعرّض لعسكريين في مراكز عملهم او الكمين لهم خلال قيامهم بواجبهم، هو امر خطير لا يجب التعامل معه بخفّة تحت ايّ ذريعة كانت، وان الكلام المنمّق الاستنكاري لن يعيد الهالة الامنية التي تغنّى بها اللبنانيون في احلك الظروف واصعبها في السنوات الماضية، وجعلت من لبنان "جنة امنية" بفضل اداء عناصر القوى الامنية الذين صمدوا وواجهوا واحبطوا الكثير من المخططات الارهابية والاجرامية. ان الامن هو الخط الاخير الفاصل بين الوضع الذي نعيش فيه حالياً (اي عدم الانهيار رغم الصعوبات)، والفوضى الشاملة التي سيدفع ثمنها الجميع دون استثناء، ويجب بالتالي عدم المساس به.
على الصعيد المالي، كان كارثياً طريقة تعامل المصارف مع المودعين، يضاف اليها طريقة تحكّم "الصيارفة" بسعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الاميركي، والغياب الكلي لمصرف لبنان عن الموضوعين معاً. هذا جرس انذار بأنّ هيبة الدولة الماليّة اصبحت غائبة امام حضور هؤلاء، ولم يعد هناك من رادع لـ"حجز" اموال الناس او إلحاق خسائر فادحة بهم عن طريق اللعب على الحَبلين في ما خصّ التنقّل من العملة الاجنبية الى الليرة، إذ لم تعد تنفع التطمينات والتأكيدات بأن الودائع آمنة طالما ان لا قدرة لأحد على الوصول اليها، وان من يملك حساباً بالعملة الاجنبيّة لن يخسر غالبيّته عن طريق تحويله الى الليرة بالقوّة وغصباً عن ارادة المودع، او مَنْعِه من التصرف به خارج لبنان، او حتى حجب المعلومات عن الدولة والقضاء في ما خصّ التحقيقات بتحويل الاموال الى الخارج ومدى مراعاتها للقوانين ام لا، بما يشكل ضرباً لكل أسس القوانين والأنظمة التي ترعى حقوق ومصالح العلاقة بين المصارف والمودعين.
على الصعيد القضائي، كان لافتاً ما صدر من كلام خلال المؤتمر الصحافي لنقابة اصحاب المحروقات، بعد "انتفاضتهم" الاخيرة، حين قيل أنّهم سيقومون بما يريدون اذا لم تستجب الدولة لمطالبهم، ولتتصرف وزارة الاقتصاد كما تشاء ولتحرر المخالفات كما تريد، أيّ بمعنى آخر كان كلامهم وفق القول اللبناني الشائع "مش فرقانة معنا". هذا جرس انذار بأنّ الهيبة القضائيّة للدولة أصبحت مهزوزة، ولم تعد تخيف من يريد مخالفة القانون في أي مجال كان، فمن الذي يردع السارقين على اختلاف اساليبهم (أي بشكل مباشر أو غير مباشر)، ومن سيُرهب الخارجين عن القانون ليمتنعوا عن تنفيذ جرائمهم أكانت كبيرة أم صغيرة؟ والى من يحتكم الناس عند حصول خلاف طالما أن القانون لن يستردّ لهم حقوقهم، وهل من الممكن أن يكون الحل عبر شريعة الغاب؟.
ان الدولة وفي مقدمها رئيس الجمهورية ورئيس السلطة التنفيذية أي رئيس الحكومة حسان دياب والوزراء جميعاً، مطالبون الى جانب مجلس النواب، باتّخاذ خطوات بنّاءة وجدّية لاستعادة هيبة الدولة اولاً، وهذا بحدّ ذاته يشكل صدمة ايجابية كفيلة بتغيير النظرة اليهم محلياً وخارجياً، وتعبّد الطريق امامهم لنسج عوامل الثقة مع اللبنانيين، وهو امر مفقود حالياً ويزيد من مخاطر تفاقم الازمة التي وضع الكثير آمالاً كبيرة على تراجعها بعد تشكيل الحكومة ومنها ثقة مجلس النواب. انه التحدي الكبير، وهيبة الدولة على المحك.