ركّز مصدر سياسي مواكب لأسباب إصرار حكومة حسان دياب على التريُّث في اتخاذ قرارها في شأن تسديد الدفعة المقبلة من سندات "اليوروبوندز"، الّتي يُفترض أن تسدّدها في مهلة أقصاها 9 آذار المقبل، على أنّ "الاعتماد كليًّا على ما ستتبلّغه الحكومة من بعثة "صندوق النقد الدولي" الّتي تصل غدًا إلى بيروت في غير محلّه، لأنّها ليست صاحبة الشأن في أنّ تقول كلمة الفصل لجهة سداد السندات أو عدم سدادها".
ولفت في حيث إلى صحيفة "الشرق الأوسط"، إلى أنّ "مهمّة بعثة "صندوق النقد" محصورة في تقديم استشارة تقنيّة للحكومة، تُبيّن فيها السيئات والإيجابيّات المترتبة على القرار الّذي ستتّخذه لجهة سداد السندات في موعدها أو عدم سدادها"، مؤكّدًا أنّ "من غير الجائز أن تتعامل الحكومة مع وصول بعثة الصندوق إلى بيروت على أنّها تحمل معها الحلّ لإخراجها من حالة الارتباك الّتي ما زالت تتخبّط فيها على خلفيّة وجود رأيَين، الأوّل يدعو إلى سداد هذه السندات والثاني يقترح عدم سدادها".
وركّز المصدر السياسي على أنّ "البعثة ستساعد لبنان من خلال النصائح الّتي ستتقدّم بها، وتعتبر أنّها تشكّل خريطة الطريق لاستعادة الاستقرار النقدي"، مشيرًا إلى أنّ "الإرباك الّذي يحاصر الحكومة ويحول دون مبادرتها إلى حسم أمرها، كان وراء الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار الّذي أفقد القدرة الشرائيّة لليرة اللبنانية". وكشف أنّ "مردّ هذا الارتفاع يعود إلى ما أُشيع في اليومين الأخيرَين بأنّ الحكومة ليست في وارد سداد سندات "اليوروبوندز"، بذريعة أنّ معظم أركان الدولة يميلون مبدئيًّا إلى عدم سدادها، لأنّ تداعياتها على الوضع المالي الهش ستكون أكثر سوءًا من سدادها".
وأوضح أنّ "المسؤوليّة المترتبة على الخيار النهائي في خصوص سداد السندات أو عدم سدادها تقع على الحكومة من خلال وزارة المال، وأنّ محاولة حصرها بحاكم "مصرف لبنان" رياض سلامة تنمّ عن الهروب إلى الأمام والقفز فوق المشكلة، مع أنّ سلامة كان يتدخّل للاكتتاب بهذه السندات بناءً لطلب الحكومات المتعاقبة على السلطة؛ وبالتالي فإنّ المصرف هو واحد من حاملي هذه السندات".
كما شدّد على أنّ "لا خيار أمام الحكومة إلّا في اتخاذ القرار الّذي من شأنه أن يُخرجها من حالة الإرباك". ورأى أنّ "عدم سداد السندات يعود بالدرجة الأولى إلى اعتبارات سياسيّة لقطع الطريق على ردود الفعل الّتي ستصدر عن المودعين الّذين يعانون من القيود المفروضة على سحب ودائعهم في حال تقرر سدادها، إضافة إلى ما سيترتّب عليها من تداعيات تؤثّر سلبًا على تأمين الاحتياجات الضرورية المستوردة من الخارج".
وحذّر المصدر من "عدم الدخول في جدولة السداد في حال تقرّر ترحيل سداد السندات إلى وقت لاحق"، لافتًا إلى أنّ "الاتفاق على جدولتها يتمّ مع الجهات الدائنة لئلّا تأتي من جانب واحد، لما يترتّب على التفرّد في القرار من تبعات قانونيّة تُسقط لبنان في المحظور على كلّ المستويات، وصولًا إلى لجوء الدائنين إلى الادعاء عليه أمام المحاكم الدولية صاحبة الاختصاص في هذا المجال". وبيّن أنّ "لا مفرّ من اتفاق الحكومة مع الجهات الدائنة على إعادة جدولة الدين، نظرًا لوجود صعوبة في سداد ما سيستحقّ عليه، بدءًا من 9 آذار المقبل. والجدولة يجب أن تكون مقرونة بخطة طوارئ تضعها الحكومة، لأنّ من غير الجائز مقاربتها بخطوات يغلب عليها الارتجال".
ولاحظ أنّ "مشكلة لبنان في سداد السندات أو عدم سدادها تتزامن هذه المرّة مع حالة من الترقُّب على المستويَين العربي والدولي، بخلاف ما كان يحصل في أزمات سابقة تميّزت بمبادرات عربيّة ودوليّة لمساعدته"، منوّهًا إلى أنّ "الترحيب الخارجي اقتصر على مواقف دبلوماسيّة، لأنّ المجتمع الدولي يعتبر أنّ جود حكومة يبقى أفضل من إقحام لبنان في فراغ قاتل". ووجد أنّ "زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني إلى لبنان لن تؤدّي إلى تزويد الحكومة بجرعة من فائض القوّة توظّفها للتغلّب على الأزمات الاقتصاديّة والماليّة لجهة التخفيف من تفاقمها".
إلى ذلك، رأى أنّ "توقيت الزيارة ليس في محلّه، خصوصًا أنّها شكّلت أوّل زيارة لمسؤول خارجي بعد ولادة الحكومة". وسأل عن "الجهة الرسميّة الّتي وجّهت إليه الدعوة"، متسائلًا: "هل يُعقل أن يأتي إلى بيروت بقرار ذاتي ويوجّه من خلالها رسائل يُعلن فيها استعداد إيران لمساعدة لبنان اقتصاديًّا، مع أن قدراتها محدودة في ظلّ العقوبات الأميركية المفروضة عليها؟". وركّز على أنّ "زيارة لاريجاني تبقى سياسيّة بامتياز، وإن كانت اقتصرت على أركان الدولة وأمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، الّتي أراد من خلالها أن يوجّه رسالة بأنّ لبنان يدور في فلك "محور الممانعة"، مع أنّ الّذين التقاهم على المستوى الرسمي آثروا عدم الخوض في تفاصيل المحادثات الّتي أجروها معه، لئلّا يثيروا حساسيّة من هم على خلاف مع طهران عربيًّا ودوليًّا".