في سياق الحديث عن أزمات الكهرباء في لبنان، انتشرت أخبار تتحدث عن سرقة مادة المازوت من خزّانات شركة كهرباء لبنان في دير عمار، وبيعها للبنانيين، فردّت مؤسسة كهرباء لبنان في بيان تؤكد فيه أن القضية قديمة تعود الى العام 2018 مشيرة إلى أنّ "محامي المؤسسة، وفور اكتشاف عمليّة السرقة، تقدّم بدعوى شخصيّة مباشرة باسمها وحضر جلسة التحقيق مع المدعى عليهم بتاريخ 19/4/2018، ومن ثم صدرت مذكّرات توقيف بحقّهم، وتابع الملف مساره القضائي وهو حاليا ما يزال قيد المتابعة لدى محكمة الجنايات في الشمال".
تشغل "الكهرباء" بال اللبنانيين في أيّامنا هذه، خصوصا بعد أن تبيّن للجميع حجم الخسائر التي يتسبّب بها هذا القطاع، وربما لهذا السبب أعاد البعض نشر هذه القضيّة، التي لم يكن الجميع على علم بها، خصوصا أنّ السرقة استمرت لأشهر عديدة، ولم يتم اكتشافها الاّ عن طريق الصدفة، مع الإشارة الى أنّ التدقيق الواجب أن يكون متّبعاً في مؤسسات الكهرباء لجهة حجم العمل، وكميات المازوت الموجودة، أيّ المقارنة بين الإنتاج وكلفته وحجم المخزون، لو كان موجودا لتمّ اكتشاف السرقات منذ الشهر الأول.
حصلت "النشرة" على القرار الظني الصادر عن قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصّار في 11 نيسان عام 2018، التي وللمناسبة قلبت قصر عدل طرابلس رأسا على عقب منذ وصولها إليه، والذي يتحدّث عن وقائع القضيّة، كي لا تبقى المسألة مُبهمة، أو نعتمد على أخبار وسائل التواصل الاجتماعي.
قبل الدخول في الوقائع، قد يكون معلوما بحسب بيان مؤسسة كهرباء لبنان أنّ القضية باتت في محكمة الجنايات، اذ ان القاضية نصّار قررت وفقا للمطالعة اعتبار فعل المدعى عليهم ط. د، أ.د، ع.د، ع.د، خ.د، وأ.د، من نوع جنايتي المادتين، الأولى 638 من قانون العقوبات والتي تتحدث عن السجن والاشغال الشاقة من 3 الى 10 سنوات بحال وقعت السرقة على اموال او موجودات مؤسسة حكوميّة او اي مركز او مكتب لادارة رسمية او هيئة عامة، أما الثانية فهي المادة الأولى فقرة د. من القانون 62397، وإيجاب محاكمتهم أمام محكمة الجنايات في لبنان الشمالي. ولكن ماذا عن الوقائع؟.
لدى كشف موظفي "شركة الكهرباء" في دير عمار على معدّات الشركة تبيّن لهم وجود آثار لمادة المازوت ترشح من الأرض، ولدى التدقيق فيها تبيّن لهم وجود "أنابيب" من نوع البلاستيك لون أسود، قياس 2 إنش، موصولة على الخط الذي يربط شركة كهرباء قاديشا بمنشآت النفط الذي يتم استمداد الفيول منه في حال عدم وجود هذه المادّة في الشركة، وان هذا الخط الرئيسي مُدّد في العام 2008، والانبوب الأسود يمرّ من داخل الشركة الى السور الخارجي لها، ويمتد داخل الشركة بمسافة ستمئة مترا جرّا، وصعودا داخل الشركة لمسافة 300 مترا، ويخرج من تحت الأرض خارج السور الى الأرض المجاورة العائدة للدولة اللبنانية والتي يستثمرها المدعو أ.د واولاده المدّعى عليهم، وتنتهي الأنابيب في خزانات للمازوت زرعها المدّعى عليهم في الأرض المستثمرة، وراحوا على مدى سنوات طوال يسرقون المادة من شركة الكهرباء في دير عمار بواسطة مضخّات الى خزانات ثلاث بسعة 11300، 7000 و3400 ليتر، وإلى خزانات خمسة وسعتها بين 1000 و6000 ليتر، ويقومون بإعادة بيعها.
كما تبيّن وورد في الوقائع، أن الشاهد ب. ش، الذي أدلى بأنه كان يعمل مع المدعى عليه أ. د في زراعة الأرض وتقليم الأشجار، كان يتولى عملية المراقبة ليلا داخل الأرض، حيث يدخل الصهريج المملوك من أحد المدّعى عليهم، أ.د، فارغا ويخرج مملوءا، وان المسؤول عن عمليات البيع هو المدعى عليه خ.د، بينما يتولى ش.د عملية منع المارّة من التجوّل أثناء تعبئة الصهريج، ويعاونه ط.د في عمليّة المراقبة بين الاشجار.
احد المدعى عليهم كان يملك محطّة محروقات، وكان يبيع مادة المازوت بسعر أقل من السعر المحدّد من قبل وزارة الطاقة والمياه، بـ500 ليرة لبنانية.
غريب أمر المؤسّسات العامة في الدولة، يُسرق المازوت لسنوات بكميّات ضخمة ولا يُلاحظ أحد. ربما لاحظ أحدهم وسكت، ربما هناك من تواطأ مع السارقين، كل هذه التساؤلات تحتاج الى القضاء اللبناني للإجابة عنها، لأنه بحال لم يكن أحد من الإدارة متواطئا، سنكون أمام حالة فلتان كبرى، وكما يقول المثل الشعبي "المال السايب بعلّم الناس عالسرقة".