بتنا نسمع كثيرا عن حاجة لبنان الى "المساعدة التقنيّة" وطلبها من صندوق النقد الدولي، كذلك عبارات مثل "لجنة الخبراء"، "المختصون الاقتصاديون"، وكله يأتي في سياق بحث الحكومة اللبنانية عن "مشاريع حلول" لما تمر به على الصعيد المالي، والجديد اليوم هو ما نقلته وكالة "رويترز" عن مصدر مطّلع، أنّ "لبنان سيدعو ثماني شركات لتقديم عروض لإسداء المشورة الماليّة مع دراسته خيارات بشأن الدين".
أكدّت الوكالة أن "الدعوة لتقديم عروض لا تعني أنّ لبنان قرّر إعادة هيكلة الديون، لكنّها تعني أنّه يدرس جميع الخيارات"، وقام بتسمية الشركات وهي: "موليس آند كومباني"،"روتشيلد آند كو" ،"جوجنهايم بارتنرز"، "سيتي بنك"، "لازارد"، "جيه. بي مورغان"، "بي. جيه. تي بارتنرز" و"هوليهان لوكي".
لمن لا يعلم، لدينا في لبنان مجلساً مهماً إسمه المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وسنتحدث قليلاً عن دوره المُغيّب، لتبيان حجم الخفّة التي تتعامل بها الحكومات مع أزماتنا. في العام 2017 أُعيد المجلس الى الحياة بعد "سُبات" دام 15 عاما، فما هي مهمّته ولماذا لا يتم الاستعانة به اليوم بدل صرف الأموال على شركات عالميّة أو التخبط بالبحث عن الحلول؟.
أنشئ المجلس الاقتصادي والاجتماعي بموجب القانون رقم 389 الصادر بتاريخ 12 كانون الثاني 1995، وكانت وثيقة الوفاق الوطني "الطائف" قد نصّت على أهميته وضرورة إنشائه تلبية لمطلب شعبي مستمر منذ أكثر من خمسين عاماً كإحدى ركائز النظام الحديث للدولة. يتحدد دور المجلس في مهمتين: تنمية ومشاركة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية بالرأي والمشورة في صياغة السياسة الاقتصاديّة والاجتماعيّة للدولة، وتنمية الحوار والتعاون والتنسيق بين مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية.
يضم المجلس 71 عضوا يمثلون كافة القطاعات والهيئات والنقابات وأصحاب الكفاءة والمغتربين، ومن خلال مراقبة ما يجري حاليا يتبيّن أن المسؤولين يغيّبون المجلس الذي يُفترض به على الأقل المشاركة بالبحث عن الحلول، وبدل أن ندفع المال مقابل المشورة، فإن وظيفة المجلس تقديمها، وهو على استعداد لذلك بحسب ما يؤكد رئيسه شارل عربيد.
يشير عربيد في حديث لـ"النشرة" الى أن الواضح أن لا نيّة بتفعيل المجلس، وبحال لم يرغبوا بسماع صوتنا فلمَ نُتعب أنفسنا بالصراخ. ويضيف: "رأي المجلس يمثل كل شرائح المجتمع، ويجب أن يشترك بكل النقاشات الدائرة حاليا حول الأزمة، ولا يمكن لأحد أن يفرض الضرائب والاجراءات الموجعة على الناس دون إشراكها بالقرار.
يلفت عربيد النظر الى أن عمل المجلس يتمثل بالمساعدة في صنع القرارات ووضع السياسات، ولهذا فإننا على أتمّ الاستعداد دائما للمساعدة متى ما طُلب منّا.
من جهته يؤكد مدير عام المجلس محمد سيف الدين أن لا شيء يشفع للحكومة الحالية بحال لم ترغب بالتعاون مع المجلس، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أن المجلس هو المساحة التي تتمثل بها كل شرائح المجتمع وأطراف الانتاج، ويضم الخبراء، وبالتالي إن لم يتمكن كل هؤلاء الى جانب الخبراء في لبنان من تقديم العون، فهناك مشكلة.
ويشدد سيف الدين على أن الطاقات البشريّة اللبنانية في لبنان والخارج، والتي تطلب حكومات غربية العون منها، مستعدة للمساعدة في لبنان بلا مقابل، خصوصا أنها ستنطلق بعملها من المسؤولية الوطنية، والمعرفة الكاملة بوضع لبنان وظروفه، وواقعه، بينما أي شركة عالمية سوف تأتي الى دراسة الوضع ستحتاج الى فترات طويلة، وستقدّم دراسة جامدة مكوّنة من أرقام فقط.
اذا طلبت الحكومة أسماء خبراء لبنانيين، سيقوم المجلس بتقديمها لها، هذا ما يؤكده سيف الدين وعربيد، ولكن المساعدة لا يمكن أن تُفرض بالقوة على من لا يريدها. يمكن في لبنان أن نعمل بنصف ميزانية، أو نصف راتب، او نصف دوام، ولكن لا يمكن للدولة العمل بنصف سيادة، ونصف هيبة. نملك الخبرات التي يحتاجها العالم، لا لبنان فقط، فلماذا لا تلجأ الحكومة إليها، ألا يعلم المسؤولون أن "مش كل فرنجي برنجي"؟.