يطوي اللبنانيون أيام ازماتهم الصعبة على وقع شائعات تواكب الأحداث، في ظل تمدّد روايات على مواقع التواصل الإجتماعي. وحدها السلطات اللبنانية المسؤولة تغيب عن المعالجة الجوهريّة للمشهد. ولا تحضر الوزارات الاّ بتدخل تقليدي لا جدوى ولا قيمة له.
يشكّل الآن تعاطي الحكومة مع أزمة "كورونا" نموذجاً حيّاً للتخلّف الرسمي اللبناني. هل سمع أحد الوزراء بما يسمى فن إدارة الأزمة؟ هل يعلمون ان إدارة الأزمات هي علم بحدّ ذاته؟ شكّلوا لجنة طوارئ، وسمّوها خلية إدارة أزمة، لكنها تفتقر لهيكلية الإدارة العلمية للأزمة. أخطر ما في الأمر هو غياب دور تلك الخلية في دحض الشائعات والردّ على الاخبار المدسوسة بمعلومات رسميّة مسؤولة. لا يمكن الإعتماد فقط على وزير الصحة العامة وحده. ليس دور وزير الصحة التنقل من شاشة الى أخرى لطمأنة المواطنين. أين الناطق الإعلامي بإسم خليّة إدارة الأزمة؟ أين مسؤول الإرتباط والتنسيق مع المؤسسات الاعلامية؟ أين مسؤول التواصل الإجتماعي؟ لا وجود لهم في قاموس خلية الأزمة حالياً.
يجب ان يعرف مجلس الوزراء أن اكثر من نصف خطّة المواجهة هو الإعلام لإقناع الرأي العام بالإرشادات وسبل الوقاية من الفايروس. لا بل نسف الشائعات وصدّ الحملات المدسوسة التي فرضت هلع الناس وتوجهّهم الى الصيدليات لشراء الكمّامات بأسعار عالية. أين دور الإعلام المسؤول؟.
جاءت في الساعات الماضية دعوة وزيرة الاعلام منال عبد الصمد ورئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع عبد الهادي محفوظ المؤسسات الاعلامية المرئية والمسموعة والمواقع الالكترونية للبحث والتداول حول كيفة تعاطي وسائل الاعلام مع الاخبار المتعلقة بمرض "الكورونا" وضرورة تلافي الشائعات. فعلاً توحي الدعوة المشتركة بحسّ المسؤولية. لكن ماذا يمكن ان يُحقق الإجتماع؟ فلنفترض ان المجتمعين التزموا فعلاً بتوصيات نبيلة كالعادة لمنع بثّ الأخبار غير المؤكدة، ولنفترض انهم طلّقوا الدوافع السياسية في التهجم او الدفاع عن الحكومة. ولنفترض انهم وحّدوا صفوفهم في التزام خطاب اعلامي موجّه. ماذا عن الشائعات التي تُوزع على وسائل التواصل الإجتماعي وعبر الهواتف؟ لا يمكن ضبطها الا عبر معلومات رسمية مسؤولة يوزّعها ناطق اعلامي او متحدث رسمي بإسم خلية إدارة الأزمة يتفرّغ لملاحقة الاخبار الكاذبة بتفنيد عدم صحتها، ويقدّم للراي العام معلومات صحيحة وموثوق بها.
اذا كان كل من وزير الصحة، و المستشفيات والصليب الاحمر ورئاسة مطار بيروت، ومديريات ودوائر أخرى توزّع بيانات وتصريحات، فكيف يمكن ضبط المعلومات في بيان او تصريح موحّد؟ وحده الناطق او المسؤول الاعلامي يجب ان يصرّح ويدحض او يؤكد اي معلومة. أين هو؟.
فلتعترف الحكومة انها تشبه مثيلاتها ممّن سبقها في تولي المسؤولية.
لم يعد تجاهل أمر علمية ادارة الأزمات ممكناً ولا مقبولاً. والا سيبقى لبنان أسير شائعات تولّد هلعاً، وعشوائية تستهدف البلد والمواطن، فيُصبح التخبّط أخطر من "كورونا" على اللبنانيين. فإذا كان يُمكن الشفاء من المرض، فكيف يمكن شفاء البلد من خضّات وتداعيات يستولدها التخبّط والإرباك؟ ستظهر النتائج سلبياً، اقتصاديا ونفسياً في زمن لبناني صعب على كل الصعد.