وكأن قيادة التيار الوطني الحر تهوى اللعب بكرات النار الواحدة تلو الأخرى، الأمر الذي يجعلها والتيار، أكثر فأكثر عرضةً للإتّهامات الشعبيّة بالمساهمة في إيصال الوضع الإقتصادي والمالي الى ما هو عليه، كما هو الحال بالنسبة الى أمراء الحرب الذين أمسكوا زمام الأمور في السلطة منذ إتفاق الطائف وحتى اليوم. صحيح أن التيار موجود في السلطة التشريعية منذ العام ٢٠٠٥ تاريخ دخوله للمرة الأولى وبكتلة وازنة الى مجلس النواب، وصحيح أيضاً أنه عاد ودخل بعد سنتين الى السلطة التنفيذية، الأمر الذي يحمّله حكماً جزءًا من المسؤوليّة، لكن إصراره على تولي بعض المواقع الحساسة في السلطة، يدفع المتابعين ومن داخله الى طرح الأسئلة، هل تبحث قيادة التيار عن كرات النار في الإدارات والوزارات والمؤسسات؟ وما الجدوى من التركيز دائماً على إختيار المهمات الأصعب؟.
هذه الأسئلة لا تطرح من لا شيء، ومن يطرحها داخل التيار أولاً، ينطلق من المعلومات التي تردّدت في الآونة الأخيرة ومفادها أن قيادة التيار قرّرت أن تخوض حرباً مفتوحة مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، على خلفيّة ملفّ الأموال المهرّبة الى الخارج والسياسات الماليّة التي أوصلت لبنان الى ما هو عليه، كل ذلك بهدف الوصول أولاً الى إقالة سلامة وتعيين بديل له، والمطروح هنا من قبل التيار، وزير سابق من تكتل لبنان القوي، وثانياً كسر الصورة التي ترسّخت في أذهان الرأي العام بأنّ التيار هو من وافق على التمديد لسلامه، وثالثاً لتصوير التيّار أمام اللبنانيين وكأنه حامل الحلّ المالي والنقدي، وهو الذي يستطيع أن يضخّ السّيولة ويسدّ العجز وأن يعيد الدولار الى ما دون الألفي ليرة، والأهمّ أن يستعيد الأموال المنهوبة والمهربة الى الخارج.
الأكيد أن الذي قرر إعتماد هذه السياسة، إذا صحّت تساؤلات البعض داخل التيار، لم يقدّر حجم عواقبها، ولم يتعلّم من التجارب السابقة او بكلام أوضح، لم يتّعظ من كرات النار التي لعب بها سابقاً وحرقت يديه. لم يقدّر حجم العواقب لأنّ خبراء المال والإقتصاد، حتى الذين لا يوافقون على سياسات سلامه الماليّة ويدركون حجم تداعياتها، يجمعون على أن تغييره في هذه المرحلة الدقيقة سيفتح حرباً أميركيّة شعواء على لبنان بشكل عام، وبشكل خاص على من قرّر أو ساهم بتغييره أكبر من الحرب التي نعيشها، وهنا يطرح المتابعون سؤالين، الأول "هل تتوقعون من الإدارة الأميركيّة التي تهدّد لبنان بعقوبات جديدة إذا لم يتمّ الإفراج عن حامل جنسيتها العميل عامر الفاخوري، أن تقف مكتوفة اليدين إذا تمّ المسّ برجلها الأول في لبنان رياض سلامه"؟.
أما السؤال الثاني الذي يطرحه المتابعون فهو، "هل تعتقد قيادة التيّار بأنّها وفيما لو تمكنت من تعيين بديل لسلامه، سيكون بإمكانها إنقاذ الوضع من الحرب الماليّة التي تقودها الولايات المتحدة ضد لبنان بسلاح الدولار، وبهدف إغراق البلد ومعه حزب الله وحلفائه وتقليب الرأي العام ضده"؟.
من هذه الأسئلة الى كرات النار التي أحرقت أيدي قيادة التيار عندما لعبت بها، ينتقل المتابعون داخل التيار لسلوك القيادة، مذكّرين بتجربة وزارة البيئة، التي أصرّ "الوطني الحر" على تولّيها بعد حراك النفايات الشهير في العام ٢٠١٥، الحراك الذي شيطن محارق النفايات ومَذْهَب المطامر، وجعل التوصّل الى أيّ حلّ من الأمور شبه المستحيلة، إذ لم يعد هناك من منطقة تقبل بسهولة بإنشاء مطمر أو أيّ معمل للفرز أو للمعالجة على أرضها، على رغم كل هذه الشيطنة والمذهبة والرفض، تولى التيار وزارة البيئة مع طارق الخطيب ثم عاد وأعطاها لفادي جريصاتي، والرجلان نجحا في وضع خطة لمعالجة النفايات على الورق، ولكن على أرض الواقع، تمّ تلزيم وتأهيل معامل عدّة للفرز والتسبيخ لتخفيف النفايات التي تطمر وبدأت الاعمال، ولكن، لم يتمّ التوصل مثلاً الى حلّ لمشكلة نفايات زغرتا والأقضية المجاورة لها، وبسبب وصول مطمر الجديدة الى سعته الإستيعابيّة القصوى في نيسان المقبل سيكون المتن الشمالي وكسروان إضافة الى مناطق من العاصمة بيروت على موعد مع أزمة نفايات مرتقبة.
بإختصار، التيار يلعب بالنار بملفّات مكلفة شعبياً وسياسياً، وعليه إجراء مراجعة سريعة بهذه الملفّات ومن دون تسرّع وإلا...