بعد فترة قصيرة على بدء الحراك الشعبي، تحدثنا في مقال عن استهداف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لجهة الحديث عن استبداله برئيس جديد، وقد عرضنا بعض الاسباب الكفيلة بعدم نجاح اي خطوة من هذا القبيل. اليوم، عاد الحديث عن استهداف عون مجدداً، وما كان يحكى على لسان بعض المتظاهرين والمسؤولين السياسيين في هذا المجال، تحوّل الى لسان حزبيين ومصادر خارجية وبعض تحليلات زملاء لنا في المهنة. ازاء ذلك، ان لا بد من التوقف مرة اخرى عند هذا الامر، مع بروز مواقف تحذّر رئيس الجمهورية من "انقلاب سياسي" عليه برضى حلفائه، ودعوات جديدة له بالاستقالة او البدء بالتحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة رغم مسافة تناهز الثلاث سنوات على موعد هذا الاستحقاق.
نظرياً، يمكن القول ان المعطيات والتغييرات الاخيرة تشكّل ارضيّة صالحة لبناء خريطة نشطة لابراز شخصية مسيحية مارونية تتولى منصب الرئاسة في اي وقت، اكان قبل انتهاء ولاية عون ام بعدها. ولعل ما فتح "الشهية" على هذه الخريطة، اعلان موت التسوية الرئاسية وبدء رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري مرحلة جديدة، ستقف حتماً عاجلاً ام آجلاً، عند محطة الانتخابات الرئاسية. ولعل ما يشهده لبنان حالياً من تظاهرات ووضع اقتصادي ومالي صعب، واحوال غير عادية لم تجد بعد ما يخفّف من حدّتها، سهّل البحث في هذا السيناريو، والترويج له ضمن سلسلة تغييرات يطالب بها الجميع: الناس للعودة الى منطقة الامان والاستقرار المعيشي والاقتصادي والمالي، وسياسيون ليخرجوا من حصار تم فرضه عليهم ومعاودة نشاطهم المعتاد على المستويات كافة بما فيها ما اشتكى منه اللبنانيون. ولا يمكن طبعاً اغفال عدم حصول عون على تغطية خارجية كافية لضمان عدم التعرض له، وخصوصاً منها الاميركية.
هذا من الناحية النظرية، اما من الناحية العملية والواقعية، فوفق ما هو واضح، لايمكن البناءعلى اي من الفرضيات السابقة لاعتبارات منها ما هو قديم، ومنها ما هو حديث. ومن نافل القول ان ايّ سقوط لرئيس جمهورية في الشارع، سيجعل التوازن السياسي والطائفي برمّته عرضة للخلل، وسيهزّ دعامة الاستقرار على كل الصعد (سياسية، وامنية، واجتماعية، وطائفية، ودستورية، ومالية واقتصادية، وحياتية...)، وهو ما لن تقبل به الطوائف غير المسيحية قبل المسيحية، كما الدول الكبرى التي تملك القدرة على اتخاذ القرارات في المنطقة. نقطة اخرى يجب الالتفات اليها، وهي تتعلق بالتحالفات السياسية الداخلية التي يعتقد الكثيرون انها تغيّرت، ولكنها في نهاية المطاف ستبقى تحت سقف المصالح والتسويات، ولا يتوهّمن احد ان هناك اي اتفاق على شخصية لتولي المنصب الرئاسي دون مراعاة المصالح الشخصية، وحتى الاتفاق مع الحريري لن يكون سهلاً خارج هذا الاعتبار وما ينطبق على وضع الحريري، ينطبق ايضاً على سواه، واثبتت الوقائع التاريخية ان لا احد يمكنه الوصول الى الرئاسة دون توليفة التوافق الداخلي عليه.
واذا كان صحيحاً ان صورة العهد باتت ضعيفة بفعل الضربات الكبيرة التي جعلتها تترنّح، الا انه من شبه المستحيل ان يسقط رئيس الجمهورية في الشارع، مهما كان اسمه وهويته وشخصيته، هكاذ كان الوضع مع الراحل الياس الهراوي، وهكذا استمر مع الرئيسين السابقين اميل لحود وميشال سليمان، وهو لن يتغيّر حتماً في عهد الرئيس ميشال عون، وعليه، قد يكون من المفيد حقاً التطلع الى امور اكثر اهميّة وجدّية وقابلة للتطبيق، من شأنها اعطاء بصيص امل للناس بوجود ضوء في نهاية النفق المظلم الذي بات طويلاً جداً ومن غير المتوقع ان ينتهي قريباً.