لا يحب اللبنانيون بعضهم البعض، وهذه حقيقة دامغة، اذ يمكنهم تحويل كل قضية الى شأن سياسي وطائفي، حتى المرض والموت. ربما لو كان لفايروس "الكورونا" القدرة على النطق، لكفَر من هول الحقد الذي أطلقه الشعب اللبناني في الأيام الماضية. قدرة هذا الشعب على تسييس كل شيء تفوق التوقعات، اليوم يقاربون ملف "الكورونا" بخلفيّات سيّاسية وطائفيّة، فمنهم من حمّل إيران مسؤولية وصول الكورونا الى لبنان، ومنهم من وجد الفايروس الجديد "أشهى من العسل" لانه وصل من إيران.
ربما ظنّ البعض أنه لو كان وزير الصحة الحالي من غير "طائفة" لكان قرر بشكل نهائي وقف الرحلات من إيران، أو ربما يظنّون أن الوزير الحالي قد يعلن وقف الرحلات من دولة خليجيّة يتواجد فيها الفايروس مثلا، ولكن لا يمكن الاستمرار بمقاربة الأمور على هذا الشكل!. ليست الأمور سياسية وطائفية وجغرافية، تؤكد مصادر وزارة الصحّة، مشيرة الى أنّ الوزارة لم ولن ولا تتعاطى مع هذه المسألة الا من وجهة نظر طبّية، وبتنسيق كامل مع منظمة الصحة العالمية، فهل يمكن اتهام هذه المنظمة أيضا بالتسييس؟!.
لا يجوز بأي شكل من الأشكال حجز اللبنانيين في بلاد ليست بلادهم، او رفض استقبالهم في بلادهم، أو الدعوة لعدم استقبالهم في بلدهم الأمّ بسبب احتمال إصابتهم بالفايروس، بل الأجدى مطالبة الجهات المعنية اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمتابعة وضعهم الصحي فور وصولهم الى لبنان، وهذا ما قامت به وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، حيث اعلنت ممثلة منظمة الصحة العالمية في لبنان د. ايمان الشنقيطي، أن "المنظمة لديها فريقًا موجودًا في مطار بيروت الدولي، يتابع كلّ الرحالات القادمة من الشرق الأقصى وتحديدًا من الصين، وحاليًّا من إيران".
ولكن ما تقوم به الوزارة غير كافٍ، اذ من غير المنطقي الطلب من الشخص الحجر على نفسه في منزله لمدّة اسبوعين، بل يجب أن تقوم الدولة بالحجر عليه طوال هذه الفترة للتأكد من عدم اختلاطه بالناس، تحسبّا، خصوصا وأن اللبناني "الحربوق" لن يلتزم بالتعليمات.
بالمقابل لا يمكن اعتبار الفايروس "عسل بشهده"، ولا يجوز الاستخفاف بحياة الناس بهذا الشكل من قبل لبنانيين مؤيّدين لإيران. لا ليست القضيّة سيّاسية بل حياتيّة صحّية، ويجب أخذ إجراءات فوريّة من قبل مجلس الوزراء تمنع فيها السفر الى الدول المصابة بالفايروس، خصوصا بعد بيان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي شّدد على ضرورة التريّث بأداء الزيارات الدينيّة في الفترة الحالية، والمجلس يقصد بالزيارات الدينيّة، تلك التي تتم في العراق وإيران والسعودية.
تؤكّد مصادر وزارة الصحّة أن قرار وقف السفر الى أيّ دولة لا يمكن أن تتخذه الوزارة بل مجلس الوزراء، وعادة ما يتمّ بناء على توصيات من منظمة الصحّة العالميّة، التي حتى اليوم لم تُصدر توصية كهذه، بل هي تترك الأمور لتقدير حكومات كل دولة بحسب موقعها الجغرافي وحجم الخطر المُحدق بها.
اذا كان من غير المسموح وقف رحلات عودة اللبنانيين من الدول المصابة بالكورونا الى لبنان، الا أنهمن غير المقبول أيضا استمرار سفر اللبنانيين الى تلك الدول وكأنّ شيئا لم يكن، معرضين بذلك أنفسهم واللبنانيين لخطر الاصابة بالفايروس، لذلك أصبح من الواجب الشخصي بداية والعام أيضا، وقف السفر الى الدولة المُصابة، وتحديدا الصين، وإيطاليا وإيران، وكل دولة ينتشر فيها الكورونا بشكل واسع، وهنا على مجلس الوزراء مقاربة الموضوع بعيدا عن السياسة التي هي سبب انهيار كل شيء، وبشكل عاجل قبل اجتياح الفايروس للبنان.
تحاول وزارة الصحة جاهدة العمل على منع انتشار الفايروس، ولكن الأمر بحاجة الى مساندة من اللبنانيين، وانتهاج ثقافة الوقاية، التي تبدأ من وقف السفر. نعم لن يُصيبنا الا ما كتب الله لنا، ولكن هل يرضى الله أن نحرق أنفسنا ونقول هكذا الله أراد؟!.