أمّا وقد وقعت البلاد في المحظور وباتت في «عين الانهيار» على الرغم من التحذيرات التي أطلقت من الداخل والخارج، وألقيت تحديات شبه مستحيلة على عاتق الحكومة، ما يحتّم عليها العمل لوضع خارطة طريق إنقاذية للخروج من النفق المظلم... فقد صارت الحلول المجتزأة أشبه بالمسكّنات التي تعطى لمن يعاني مرضاً عضالاً.
صار لا بدّ من صياغة حلول شاملة تحاكي مختلف المستويات، الاقتصادية، المالية والنقدية. وإلّا ستكون كل المحاولات العلاجية أشبه بالضرب بالميت.
لا بدّ بداية من تفنيد مواقع الخلل التي تصيب المالية العامة بفعل الشوائب المتوارثة من الحكومات المتعاقبة. أول مواقع الخلل يكمن في الانتفاخ الحاصل في الادارة العامة حيث تشكّل رواتب الموظفين في القطاع العام ومعاشات التقاعد حوالى ثلث النفقات الواردة في الموازنة العامة. ثانيها، قطاع الكهرباء الذي يستنزف المالية العامة حيث يقدّر عجز هذا القطاع في السنوات العشر الأخيرة بحوالى 40 مليار دولار بما يعني حوالى نصف الدين العام. أمّا ثالث تلك المواقع فهو خدمة الدين العام.
يقدّر إجمالي النفقات العامة في موازنة العام 2020 (الموازنة العامة والخزينة العامة) بقيمة 18882 مليار ليرة إلى جانب سلفة خزينة لمؤسسة كهرباء لبنان بقيمة 1500 مليار ليرة (شراء الفيول أويل لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء)، فيما تقدّر الرواتب والاجور وملحقاتها والمنافع الاجتماعية بـ 9779 مليار ليرة، وتشكّل 38,2 في المئة من إجمالي النفقات العامة، وخدمة الدين العام حوالى 9170 مليار ليرة، ونسبتها 35,05 في المئة، تشكّل البنود الثلاثة الرئيسية 79,11 في المئة من إجمالي النفقات العامة. وقد ارتفع بند معاشات التقاعد ونهاية الخدمة من 1400 مليار ليرة عام 2010 الى 3283 مليار ليرة عام 2020.
وما زاد من عمق الأزمة هو انخفاض الواردات حوالى 40% وفق أرقام الفصل الأخير من العام 2019، وهي مرشحة للانخفاض أكثر في ظل الأزمة المستفحلة اذا لم يوضع حد للتدهور الدراماتيكي. وبالتالي، لاستعادة التوازن في المالية العامة وتقليص العجز في الميزانية العامة، لا بدّ من تقليص النفقات إلى حدودها الدنيا، خصوصاً أنّ الاستدانة ستصبح صعبة جداً لا بل مُكلفة جداً، اذا ما قرر لبنان التخلف عن دفع السندات المستحقة من اليوروبوند، وهو احتمال كبير ومطلوب اذا ما أردنا استخدام ما تبقى من احتياطي العملات الأجنبية لمصلحة استيراد المواد الأساسية.
ولا بدّ بالتالي من نقل السياسة المالية من سياسة الاستدانة الى سياسة الاتّكال على الذات، من خلال الخطوات التالية:
- الحدّ من النفقات غير المجدية، وهي كثيرة. ومنها على سبيل المثال، إيجارات المباني الحكومية، صناديق التنفيعات وتحديداً مجلس الانماء والاعمار، مشاريع وزارة الاشغال العامة طالما أنّ الحكومة تراهن على مشاريع مؤتمر «سيدر» والتي تتركّز على نحو خاص على البنى التحتية.
- العمل على وقف الهدر والفساد وتحسين جباية الضرائب، وتحديداً الرسوم الجمركية، لرفع الواردات.
- التحوّل إلى النفقات الاستثمارية التي تساعد على خلق فرص العمل وتكبير حجم الاقتصاد وتطويره.
- الاستفادة من أصول الدولة وعقاراتها للتخفيف من النفقات.
- التحوّل نحو الاقتصاد المُنتج من خلال إيجاد أسواق جديدة لتصدير الانتاج اللبناني، وليس الاكتفاء فقط بالعمل على دعم القطاعات الصناعية والزراعية، وذلك من خلال سلسلة اجراءات تحفيزية كالمساهمة في تخفيض الأكلاف والرسوم الضرائبية المشروطة ومراقبة الجودة والنوعية واحترام المعايير الدولية، منها مثلاً مؤشر سهولة القيام بالأعمال تأميناً لبيئة سليمة لجذب الاستثمارات الخارجية وتطوير الشركات والمصانع العاملة.
وقد احتلّ لبنان المرتبة 143 بين 190 اقتصاداً في سهولة ممارسة الأعمال، وفقاً لآخر التصنيفات السنوية للبنك الدولي.
يصنّف مؤشر سهولة القيام بالأعمال في الدولEase of Doing Business ضد بعضها البعض استناداً إلى كيفية البيئة التنظيمية في حماية الأعمال التجارية لحقوق الملكية. ولتحفيز البيئة الاستثمارية وجذب الرساميل وتشجيعها، يفترض احترام قاعدة Rule of law أي مبدأ خضوع جميع الأشخاص والمؤسسات للقانون الذي يتم تطبيقه وإنفاذه بطريقة عادلة.
- إعتماد سياسة ضرائبية تصاعدية لتأمين العدالة مقابل مكافحة التهرب الضريبي.
- إعادة هيكلة الدين العام التي صارت معبراً إلزامياً لم يعد في الامكان الهروب منه، شرط ألا تكون على حساب المودعين، وذلك من خلال دمج المصارف وإعادة رسملتها والعمل على تحفيز المستثمرين الخارجيين من لبنانيين وأجانب، وإعادة النظر في أساس الدين وأرباح الهندسات المالية التي كانت دفترية غير مشروعة.
- إعادة هيكلة الدين الخارجي ضمن برنامج واضح ومقنع بشكل يتيح العودة الى الأسواق المالية على غرار قبرص واليونان.
- إعادة الثقة الى المغتربين كونهم عصب الاقتصاد اللبناني والثروة البشرية للاستفادة من الخبرات والرساميل الخارجية للعب دور إنقاذي، ولكن ضمن خطة واضحة.
- خفض فوائد الاقتراض، مع العلم أنّ المصارف لم تلتزم حتى اللحظة بتعاميم مصرف لبنان التي تقضي بتخفيض الفوائد، وألّا تكون انتقائية واستنسابية.
- أثبتت سياسة تثبيت سعر الصرف انّها مكلفة جداً على الاقتصاد وعلى الخزينة العامة، وقد أدّت إلى تآكل الاحتياطي من العملات الأجنبية. لذا، لا بدّ من إعادة النظر في هذه السياسة، والاستفادة من انخفاض قيمة العملة لتسويق الانتاج المحلي أسوة بما حصل في تركيا حين انخفضت قيمة عملتها فارتفعت صادراتها إلى الخارج. صحيح أنّ مدّخرات اللبنانيين فقدت قيمتها على المدى القصير بفعل انخفاض العملة، لكن السعر سيعود الى تصحيح ذاته مع الوقت.
- تطوير اقتصاد المعرفة الذي صار يوازي حجمه في الدول الغربية حوالى 50% من حجم الاقتصاد الكلي.
وعيله، لا داعي لانتظار وصفات صندوق النقد الدولي بما قد تتضمّنه من إجراءات لن ترحم الطبقات المهمّشة. فنحن نَعي أصل المشكلة، وعلينا ان نعالج الأصل، إذا أردنا أن ننجح.
صار لا بدّ من صياغة حلول شاملة تحاكي مختلف المستويات، الاقتصادية، المالية والنقدية. وإلّا ستكون كل المحاولات العلاجية أشبه بالضرب بالميت.
لا بدّ بداية من تفنيد مواقع الخلل التي تصيب المالية العامة بفعل الشوائب المتوارثة من الحكومات المتعاقبة. أول مواقع الخلل يكمن في الانتفاخ الحاصل في الادارة العامة حيث تشكّل رواتب الموظفين في القطاع العام ومعاشات التقاعد حوالى ثلث النفقات الواردة في الموازنة العامة. ثانيها، قطاع الكهرباء الذي يستنزف المالية العامة حيث يقدّر عجز هذا القطاع في السنوات العشر الأخيرة بحوالى 40 مليار دولار بما يعني حوالى نصف الدين العام. أمّا ثالث تلك المواقع فهو خدمة الدين العام.
يقدّر إجمالي النفقات العامة في موازنة العام 2020 (الموازنة العامة والخزينة العامة) بقيمة 18882 مليار ليرة إلى جانب سلفة خزينة لمؤسسة كهرباء لبنان بقيمة 1500 مليار ليرة (شراء الفيول أويل لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء)، فيما تقدّر الرواتب والاجور وملحقاتها والمنافع الاجتماعية بـ 9779 مليار ليرة، وتشكّل 38,2 في المئة من إجمالي النفقات العامة، وخدمة الدين العام حوالى 9170 مليار ليرة، ونسبتها 35,05 في المئة، تشكّل البنود الثلاثة الرئيسية 79,11 في المئة من إجمالي النفقات العامة. وقد ارتفع بند معاشات التقاعد ونهاية الخدمة من 1400 مليار ليرة عام 2010 الى 3283 مليار ليرة عام 2020.
وما زاد من عمق الأزمة هو انخفاض الواردات حوالى 40% وفق أرقام الفصل الأخير من العام 2019، وهي مرشحة للانخفاض أكثر في ظل الأزمة المستفحلة اذا لم يوضع حد للتدهور الدراماتيكي. وبالتالي، لاستعادة التوازن في المالية العامة وتقليص العجز في الميزانية العامة، لا بدّ من تقليص النفقات إلى حدودها الدنيا، خصوصاً أنّ الاستدانة ستصبح صعبة جداً لا بل مُكلفة جداً، اذا ما قرر لبنان التخلف عن دفع السندات المستحقة من اليوروبوند، وهو احتمال كبير ومطلوب اذا ما أردنا استخدام ما تبقى من احتياطي العملات الأجنبية لمصلحة استيراد المواد الأساسية.
ولا بدّ بالتالي من نقل السياسة المالية من سياسة الاستدانة الى سياسة الاتّكال على الذات، من خلال الخطوات التالية:
- الحدّ من النفقات غير المجدية، وهي كثيرة. ومنها على سبيل المثال، إيجارات المباني الحكومية، صناديق التنفيعات وتحديداً مجلس الانماء والاعمار، مشاريع وزارة الاشغال العامة طالما أنّ الحكومة تراهن على مشاريع مؤتمر «سيدر» والتي تتركّز على نحو خاص على البنى التحتية.
- العمل على وقف الهدر والفساد وتحسين جباية الضرائب، وتحديداً الرسوم الجمركية، لرفع الواردات.
- التحوّل إلى النفقات الاستثمارية التي تساعد على خلق فرص العمل وتكبير حجم الاقتصاد وتطويره.
- الاستفادة من أصول الدولة وعقاراتها للتخفيف من النفقات.
- التحوّل نحو الاقتصاد المُنتج من خلال إيجاد أسواق جديدة لتصدير الانتاج اللبناني، وليس الاكتفاء فقط بالعمل على دعم القطاعات الصناعية والزراعية، وذلك من خلال سلسلة اجراءات تحفيزية كالمساهمة في تخفيض الأكلاف والرسوم الضرائبية المشروطة ومراقبة الجودة والنوعية واحترام المعايير الدولية، منها مثلاً مؤشر سهولة القيام بالأعمال تأميناً لبيئة سليمة لجذب الاستثمارات الخارجية وتطوير الشركات والمصانع العاملة.
وقد احتلّ لبنان المرتبة 143 بين 190 اقتصاداً في سهولة ممارسة الأعمال، وفقاً لآخر التصنيفات السنوية للبنك الدولي.
يصنّف مؤشر سهولة القيام بالأعمال في الدولEase of Doing Business ضد بعضها البعض استناداً إلى كيفية البيئة التنظيمية في حماية الأعمال التجارية لحقوق الملكية. ولتحفيز البيئة الاستثمارية وجذب الرساميل وتشجيعها، يفترض احترام قاعدة Rule of law أي مبدأ خضوع جميع الأشخاص والمؤسسات للقانون الذي يتم تطبيقه وإنفاذه بطريقة عادلة.
- إعتماد سياسة ضرائبية تصاعدية لتأمين العدالة مقابل مكافحة التهرب الضريبي.
- إعادة هيكلة الدين العام التي صارت معبراً إلزامياً لم يعد في الامكان الهروب منه، شرط ألا تكون على حساب المودعين، وذلك من خلال دمج المصارف وإعادة رسملتها والعمل على تحفيز المستثمرين الخارجيين من لبنانيين وأجانب، وإعادة النظر في أساس الدين وأرباح الهندسات المالية التي كانت دفترية غير مشروعة.
- إعادة هيكلة الدين الخارجي ضمن برنامج واضح ومقنع بشكل يتيح العودة الى الأسواق المالية على غرار قبرص واليونان.
- إعادة الثقة الى المغتربين كونهم عصب الاقتصاد اللبناني والثروة البشرية للاستفادة من الخبرات والرساميل الخارجية للعب دور إنقاذي، ولكن ضمن خطة واضحة.
- خفض فوائد الاقتراض، مع العلم أنّ المصارف لم تلتزم حتى اللحظة بتعاميم مصرف لبنان التي تقضي بتخفيض الفوائد، وألّا تكون انتقائية واستنسابية.
- أثبتت سياسة تثبيت سعر الصرف انّها مكلفة جداً على الاقتصاد وعلى الخزينة العامة، وقد أدّت إلى تآكل الاحتياطي من العملات الأجنبية. لذا، لا بدّ من إعادة النظر في هذه السياسة، والاستفادة من انخفاض قيمة العملة لتسويق الانتاج المحلي أسوة بما حصل في تركيا حين انخفضت قيمة عملتها فارتفعت صادراتها إلى الخارج. صحيح أنّ مدّخرات اللبنانيين فقدت قيمتها على المدى القصير بفعل انخفاض العملة، لكن السعر سيعود الى تصحيح ذاته مع الوقت.
- تطوير اقتصاد المعرفة الذي صار يوازي حجمه في الدول الغربية حوالى 50% من حجم الاقتصاد الكلي.
وعيله، لا داعي لانتظار وصفات صندوق النقد الدولي بما قد تتضمّنه من إجراءات لن ترحم الطبقات المهمّشة. فنحن نَعي أصل المشكلة، وعلينا ان نعالج الأصل، إذا أردنا أن ننجح.